وعلى ذلك فيمكن إرجاع هذا النوع من الأدب لجيل كامل على الأقل قبل التاريخ الذى يؤرخ به ظهوره، بتتبع كتابات عبد اللَّه ابن المقفع (متوفى حوالى ١٤٠ هـ/ ٤٥٤ م) الذى ينظر إليه من خلال تراجمه المعروفة عن البهلوية كقناة اتصال للتقاليد الساسانية فى الحكم. ويتضمن كتابه "رسالة فى الصحابة" الذى يبدو أن المقصود به كان الخليفة المنصور ثانى الخلفاء العباسيين، وبالتالى يكون قد كتبه فى حدود العامين الأخيرين من حياته وقد ضمنه المواضيع العامة فى السياسة والأمور العسكرية وخاصة العدالة فى ممارسة السلطة. كما يتضمن "كتاب الأدب الكبير" نصائح فى الجزء الثانى منه لابن الخليفة على ما يبدو، والثالث موجه لوزير الخليفة، مضمنًا الأصول العامة لمصاحبة الحكام، أما الرابع فللعاملين فى الدواوين الملكية، وأهمية العلاقات الطيبة فيما بينهم. وحينما كان ابن المقفع يركز على أهمية الحفاظ على تراث الأقدمين كان يعنى غالبا اليونانيين، وكذا التقاليد الفارسية التى ينتمى هو إليها، ومتأثرًا بالحياة السياسية التى اكتسب خبرته منها.
واستمر هذا الأدب على مدى قرنين يتضمن هذه العناصر الأخلاقية المتعلقة بالحكم وتصريف شئون الدولة. وإلى
عصر الأمون -الذى يعرف هو ذاته بشغفه بالعلم والترجمة- يعود العمل الجامع للقائد الخراسانى طاهر بن الحسين ذى اليمينين الذى يوجهه فى رسالة لابنه عبد اللَّه بمناسبة توليه حكم إقليم فى ٢٠٦ هـ/ ٨٢١ م. والملاحظ هنا سيطرة الطابع الإسلامى المتمثل فى القرآن والسنة. والتقاليد العربية كالمروءة والحلم، ولا يلعب الأثر الفارسى إلا أثرًا ثانويًا، وهو ما يجعل هذا العمل، بالإضافة -لفصاحة بيانه، ذا شهرة وشعبية فى الأجيال التالية.