الذى هو موجود فى الحقيقة (فى الواقع) فليس هناك مكان مفتوح ولا مكان خالٍ كما يقول الفلاسفة الذين يتبعون نظرية أرسطو عن المكان، فيحنئذ سيضطرون إلى الاعتراف بأنه لا يوجد فيما وراء حركة العالم، زمن فارغ أو زمن ممتلئ، وأن العالم -نتيجة لذلك- له نهاية زمنية كما أنّ له نهاية مكانية، وإذا رفض الفلاسفة أن يسلموا بأن العالم له بداية أولى يجب أن يتوقف عندها الإنسان عندما يرجع إلى تتابع الحركات التى هى خاصية -بالرغم من أنه قد ينطلق به الخيال- فحينئذ لا تكون فى تواؤم وتوافق مع معتقداتهم طالما أنهم يعترفون بنهاية للمكان ولا يعترفون بنهاية للزمن بينما حالة الزمن تتشابه مع خالة المكان.
ويرد ابن رشد فيقول: إذا كان المستقبل والماضى يتصلان بخيالنا، فحينئذ لا يكونان أشياء توجد فى ذاتها فليس لهما وجود خارج الروح (النفس) ويكونان فقط عن خلق الروح (شئ تفعله النفس) والقول بأن الخيال يتجاوز كل حدود المكان، وكل حدود الزمن لا يتضمن فى الحقيقة. إن حالة الزمن هى ذاتها حالة المكان. . أو -إن شئت الدقة- فإنه يوجد -من وجهة نظر الوجود الفعلى- اختلاف كبير: وهو أن كل جسم -فى حد ذاته- يشكل كلًّا أى مجموعة من الأجزاء يمكن أن تتجمع فى وحدة كاملة، الأمر الذى لا ينطبق على الحركة التى على العكس من ذلك، وبحكم طبيعتها، تتدافع باستمرار ولا يمكن أن تتوقف بشكل تام. وهذا هو السبب -بمقتضى العقل، وليس بمقتضى الخيال هذه المرة. فى أن الإنسان يمكن أن يرى حدًا مكانيا للعالم، على حين لا يستطيع أن يرى حدا للحركة ومن ثم للزمن، إذ يتكون الزمن من عدد لا حصر له من الحركات، التى يعتمد عليها، وهذا هو تفسير السبب فى أنه عندما تظهر إلى الوجود حقيقة ما (المُحدث) بعد أن كانت فى العدم (اللاوجود) فلا يجب أن نتتبع قبلية اللاوجود (أى ما قبله) ونرجعه إلى عمل من أعمال الخيال، فلو فعلنا ذلك لكنا نطمس حقيقة ما يأتى إلى الوجود (انظر تهافت التهافت).