صحيحا -أما بين دنقلة و"علوا"(وهى منطقة الخرطوم) فمنطقة مزدهرة جدا- كذلك وصف الالتواء الكبير للنيل فى تلك المنطقة التى عندها يتفرع النيل إلى سبعة أنهار. ويتضح من الوصف أن النهر الشمالى من هذه الأنهار هو عطبرة الذى يأتى من الشرق. وإلى الجنوب يتصل النيل الأبيض والنيل الأخضر بالقرب من عاصمة "علوا" والنيل الأخضر الذى يأتى من الشرق هو أيضا "ثمرة" أربعة أنهار أحدها -كما يعتقد المؤلف- يأتى من بلاد الحبشة وواحد من بلاد الزنج كذلك تمتد بين النيل الأبيض والنيل الأخضر جزيرة كبيرة ليس لها حدود فى الجنوب ويكاد يكون هذا هو الوصف الوحيد الوارد فى المؤلفات الإسلامية فى العصور الوسطى الذى يوضح مدى ما وصلت إليه المعرفة عن النيل الأوسط.
ومنذ نهاية القرن الثامن عشر كان اكتشاف أعالى النيل ومنابعه من عمل الرحالة الأوربيين. وقد اكتشفوا أو ربما أعادوا اكتشاف- بحيرات النيل الكبيرة. وقرنوا سلسلة جبال "روونزورى" بجبال القمر التى ذكرها "سبيك" باسم بلاد "أونيامونرى (بلاد القمر) ويرجع جزء من اكتشاف النيل أيضا إلى المبادرات المصرية. فالبعثة العسكرية الشهيرة التى خرجت عام ١٨٢٠ - ١٨٢٢ بقيادة اسماعيل باشا ابن محمد على -والتى انشئت فى أثنائها الخرطوم- وطدت سيطرة المصريين فى السودان المصرى وفتحت الطريق أمام اكتشافات علمية أخرى كما شاهدت الفترة الممتدة من ١٨٣٩ حتى ١٨٤٢ م ثلاث بعثات مصرية إلى النيل الأبيض وقد حاولت الحكومة المصرية عدة مرات فى عهد إسماعيل باشا تطهير النيل الأبيض أعلى السوباط من كتل النباتات التى كانت تعوق الملاحة.
والفيضان السنوى للنيل هو الظاهرة التى تدين لها مصر فى كل العصور بخصوبتها ورخائها إذ إنه يوفر لها -تعويضا عن افتقادها التام تقريبًا للأمطار- الرى الطبيعى والمنتظم لأراضيها على ضفتى النيل وفى الدلتا. وهو مصدر كل الحياة الثقافية. وبنفس المنهج يعتبر النيل نهرا هاما مثل الفرات