النوع من الأدب لا يخلو من مخاطر، مما دفع الكثير من الشعراء إلى التردد قبل نظم قصائد هجائية.
وتذهب بعض الدراسات إلى محاولة التفرقة بين الهجاء الشخصى والجماعى، ولكن الفروق بين نوعى الهجاء ليست قاطعة، بسبب ما يلجأ إليه الشعراء أحيانا من تعميم عيوب شخص على قبيلته، خاصة إذا كان يحتل درجة زعامة فيها، أو هجاء شخص بعيب شاع فى قبيلته.
وبصفة عامة، فما يلصق بالشخص من عيوب هى كل الصفات التى تشين المرء لمنافاتها لمكارم الأخلاق كما تعرفها البيئة العربية: الجشع، البخل، القعود عن إكرام الضيف، الغباء، الجبن والخور، الشك فى النسب واختلاط الدم، الخ. أما على المستوى الجماعى فيدور الهجاء حول ضآلة العدد، ضعف الجماعة وما منيت به من هزائم، انخفاض شأن شعراء وأدباء القبيلة، انحلال النساء، ما قد يذكره التاريخ للقبيلة من فعل قبيح كأكل لحم الكلاب، وهكذا. وبقدر ما كانت العيوب شائنة، بقدر ما كان نجاح القصيدة. ويمكن أن نستشف الكثير من صور الحياة البيئية المندثرة من مثل تلك القصائد.
والمديح أصعب من الهجاء بوجه عام، حيث أن المبالغة فى المديح أمر لا يصعب اكتشافه، بينما قصائد الهجاء تستمد قوتها من قسوة ما بها من قدح، خاصة فى مجتمع تسود فيه روح الكراهية والعداء. بل إن ابن سلام فى "طبقات فحول الشعراء" يربط بين وفرة الانتاج الشعرى فى الجاهلية وكثرة المنازعات الحربية، ومن ثم يرى أن قريشا لم تعرف بالكثير من الشعر لعدم خوضها حروبا قط.
وقد لعب الهجاء دورا مهما فى المواجهة بين المسلمين والكفار. وإذا كان القرآن قد ذم الشعراء، فهو قد استثنى منهم المؤمنين وقد استعمل الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] رغم عزوفه هو ذاته عن قرض الشعر - شعراء يدافعون عن الإسلام، وهو ما يبين الأثر الخطير للشعر فى تلك البيئة، حتى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وصفه بأنه أقوى أثرا من السهام. ومن