عهده، وكان هذا العمل الجنونى الذى لم يسبقه اليه أحد ضربة للخلافة إذ نقلتها من البيت الأموى إلى آل عامر مما أثار فى الحال غضب العاصمة ومعارضتها لما جرى ولم تقتصر عاقبته الوخيمة على نفوذ العامرين وحدهم بل تعدتها إلى الخلافة الفاطمية ذاتها، شبَّت منذ ذلك الحين "الفتنة" الطغياء وعمت الاضطرابات التى استمرت أكثر من عشرين عاما، ولم ينطفئ أوارها إلّا بخلع آخر خلفاء قرطبة التى ظهر فيها دعىّ أموى يسمى محمد بن هشام بن عبد الجبار الذى طالب بالعرش وأستطاع أن يسيطر على المدينة مغتنما فرصة غياب عبد الرحمن عنها فى حملة خارجية، وحينذاك انفض عن عبد الرحمن رجاله ومن حوله واغتيل قبل أن يتمكن من الرجوع إلى قرطبة سنة (٣٩٩ هـ = ١٠٠٩ م)، وأظهر هشام استعداده للتخلى عن الخلافة حين سألوه التخلى عنها حتى لقد بعث إلى محمد بن هشام بن عبد الجبار بالملابس حين أعلن الأخير نفسه خليفة ولقب نفسه بالمهدى، وحينذاك أذاع محمد المهدى فى الناس أن الخليفة مات (وعرف ذلك بالموت الأول له) ثم لما وجد المهدى نفسه مهدّدا فى قرطبة من جهة سليمان بن الحكم والبربر خرج الخليفة السابق فى محاولة منه لجمع الناس حوله، ولكن تمكن سليمان من احتلال العاصمة سنة ٤٠٠ هـ (١٠٠٩ م) ونودى به خليفة ولقب بالمستعين، أما محمد المهدى الذى كان قد فرّ إلى طليطلة فقد عاد على رأس جيش ضخم فيه عدد كبير من النصارى، فاضطر سليمان للخضوع للأمر الواقع وغادر قرطبة، ولما نودى بالمهدى خليفة للمرة الثانية كان هشام -كما يقال- أول من بايعه، غير أن سليمان عاد وحاصر أعداءه فى قرطبة وإذ أصبح من المستحيل إخراج البربر فقد اضطر واضح تحت شدة الحصار أن يعيد هشاما، وهنا بويع هذا الخليفة السابق للمرة الثانية فى ذى الحجة من سنة ٤٠٠ هـ وجئ أمامه بمحمد المهدى لسؤاله عما كان منه قبل أن يبعثوا به ليقتل، وحينذاك أعيد هشام ليحكم -ولكن بالاسم- وجعل واضحًا حاجبه وإن كان الأمر كله فى يده دون الخليفة، واستمر الحصار مضروبًا على