وقد فسّر البيضاوى الوحى فى سياق هذه الآية الكريمة بأنه إلهام أو رؤيا وذلك تمييزا له عن الوحى بمعناه الاصطلاحى. أما نسبة هذه الكلمة (الوحى) إلى زكريا فى سورة مريم، آية ١١ {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فقد فسره المفسرون بأنه بمعنى (أوْمَأ)، وقد استخدم المصطلح بمعنى خاص فى الآية رقم ١١٢ سورة الأنعام {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} والكلمة المستخدمة للتعبير عن وحى الشيطان أو إيحائه هى (الوسوسة) أما ما يبعثه اللَّه أو يرسله أو ينزله فهو وحى، وقد يكون هذا الوحى مباشرًا أو من خلال ملك.
لكن ما كان لبشر أن يخاطبه اللَّه إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا، كما هو واضح من سورة الشورى - آية رقم ٥١ وما بعدها {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وما ينزله اللَّه على الملائكة أو يأمرهم به يسمى أيضا وحيا كما يتضح من الآية ١٢ من سورة الأنفال {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}. وتشير كثير من الآيات إلى وحى أوحى إلى أنبياء قبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فالآية ٢٧ سورة المؤمنون {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا. . .} والخطاب لنوح عليه السلام سورة طه، آية ١٣ {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} والخطاب فى الآية الكريمة لموسى عليه السلام، وفى سورة يوسف آية ١٥ {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ