- فإن الدين فى مكة أيام محمد لم يكن وثنية ساذجة، بل كان أشبه بالعقيدة المسيحية التى جعلت للقديسين والملائكة مقامًا بين الله وعباده. وقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يرى أنه جاء مصلحًا يدعو إلى عقيدة أكثر بساطة وقدمًا ويعيد الملائكة والجن إلى مكانهم الصحيح.
ب - عقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم - فى الله:
تبدو عقيدة محمد بسيطة واضحة فى الركن الأول من أركان الإسلام، وهو شهادة أن لا إله إلا الله. ومعنى هذا عند محمد - صلى الله عليه وسلم - وعند أهل مكة هو أن الله وحده هو الإله الحق دون سائر الآلهة التى كان يعبدها أهل مكة. وشهادة أن لا إله إلا الله لم تتعرض لماهية الله، وإنما تعرضت فقط لبيان مقامه. وعلى هذا فكلمة "الله" كانت ولا تزال اسم العلم الذى يطلق على الخالق عند المسلمين. وهى تقابل كلمة "يهوه" Yahwe عند اليهود، لا كلمة "إلوهيم" Elohim . وليس لكلمة "الله" جمع، وإذا أراد المسلمون الكلام عن الآلهة بالجمع فإنهم يلجئون إلى جمع كلمة "إله". وهى اسم جنس يرجح أن كلمة "الله" اشتقت منه. وكان محمد - صلى الله عليه وسلم - يستعمل هذا الجمع عند كلامه عن الآلهة الأخرى، التى كان أهل مكة يشركونها مع الله، (سورة الأنعام، الآية ١٩)، وقد حذا حذوه المسلمون فى ذلك، ولو أنهم آثروا أن يطلقوا على تلك الآلهة اسم الأصنام أو الأوثان تمييزًا لها: (انظر مادة "الله" فى - Hast Dictionary of religion and ethics: ing .
على أنه وإن كان اسم "الله" واحدًا عند أهل مكة وعند محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن تصورهم لحقيقة الله لابد أن يكون مختلفا اختلافًا بينًا. ومن الواضح أن أهل مكة على وجه عام لم يكونوا يخافون الله، وإنما خوفه كان من أركان عقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكان أهل مكة يظنون الله بعيدًا عنهم بعدًا عظيمًا، فى حين أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إن الله قريب جدًا فى كل لحظة، بل هو أقرب إلى الناس من حبل الوريد، (سورة ق، الآية ١٦). ولم يتردد أهل مكة فى عصيان الله وعبادة آلهة أقل شأناً.
وقد عرّف محمد - صلى الله عليه وسلم - الله بأنه الملك، المنتقم الغيور وأنه سيحاسب الناس