للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يعبّر عن كل أمر كما كان يراه فى وقته، وكما كان يقتضيه الحال. فالله تارة رءوف ودود صبور (انظر ما سبق). وتارة يقول: "وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" (سورة الذاريات، الآيات ٥٦ - ٥٨). والله هو المتكبر الجبار وهو النافع الضار: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، (سورة الأعراف، الآية ١٧٨ *).

وربما لا تكون الصفات التى ذكرناها متناقضة، ولكن ورود كل منها على حدة وتوكيد فكرة الطبع كان له أثر كبير فى تطور العقيدة الإسلامية فيما بعد.

كان محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] إذن يؤمن بالله إلى درجة بعيدة. وكان هذا الإيمان محور الدين الذى يدعو إليه. على أنه ربما كان من الأصوب أن نقول إنه كان يفنى فى الله. وقال دون تردد أن الله كان ولم يكن شيء قبله وسيوجد وقت لا يوجد فيه أيضًا غير الله.

واذا كانت هذه الفكرة قد وضعت فى أسلوب مبين، فمن الراجح أنه كان يقبلها لأنها تعلى الله فوق خليقته. وفى الحق أن بعض أقوال محمد قد عبرت فى قوة عن وجود الله وجودًا مطلقًا، حتى إنها كانت كافية لتحديد وتفسير التطور الذى أخذ به المسلمون القائلون بوحدة الوجود فيما بعد. وهذا يبدو لنا بصفة خاصة فى عبارة "وجه الله"، التى أثرت فيه تأثيرًا، عميقًا. وكلمة "وجه" التى يرد ذكرها كثيرًا فى القرآن الكريم معناها "نفس، أو ذات" إذا أطلقت على الإنسان (انظر سورة

البقرة، الآية ١١٥ *؛ سورة آل عمران، الآية. ٢٠ * سورة النساء، الآية ١٢٥ *؛ سورة الأنعام، الآية ٧٩؛ سورة يونس، الآية ١٠٥؛ سورة الروم، الآيتين ٣٠ * و ٤٣ *؛ سورة لقمان، الآية ٢٢ *؛ سورة الزمر، الآية ٢٤ *؛ وربما كان هذا هو أصل استعمال هذه الكلمة فى هذا المعنى). أما إذا أطلق لفظ "الوجه: على الله فإن الاستعارة الأصلية تزداد قوة ووقعًا، ولو أن معناها هو من غير شك، "ذات الله".


(*) الآيات التى بجوارها (*) كانت أرقامها فى الأصل ١٧٧، ١٠٦، ١٨، ١٢٤، ٧٦، ٢٩، ٤٢، ٢١، ٢٥، وتم ضبطها فيما أثبتناه.
المحرر