للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والناس يعملون مدفوعين بإرادة وجه الله، (انظر سورة البقرة، الآية ٢٧٢ *؛ سورة الرعد، الآية ٢٢؛ سورة الليل، الآية ٢٠) فهم يريدون وجهه (سورة الأنعام، الآية ٥٢ *؛ سورة الكهف، الآية ٢٨ *، سورة الروم، الآيتين ٣٨ * و ٣٩ *؛ ويعملون له (سورة الإنسان، الآية ٩)؛ {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، (سورة البقرة، الآية ١١٥ *)؛ و {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (سورة القصص، الآية ٨٨). و {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، (سورة الرحمن، الآية ٢٦ و ٢٧ * (ولو أبدلنا فى هذه الآيات كلها كلمة "وجه" بكلمة "ذات" ما تغير المعنى. ولكن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يدرك من غير شك ما فى عبارة "وجه الله" من قوة وجمال. وقد أقام الصوفية فيما بعد أساس نظرياتهم على هذه العبارة.

أما المفسرون فقسموا الموجود إلى ممكن وواجب، وقالوا إن الكائنات كلها ممكنة الوجود، أما الله فهو وحده "واجب الوجود"؛ وعلى هذا يمكن أن تطلق صفة العدم على الكائنات، لأن قبولها للفساد يجعل مصيرها إليه.

ترك محمد [- صلى الله عليه وسلم -] إذن حل هذه المسألة للمسلمين من بعده. وكان عليهم أن يوفقوا بين ذات الله العظيمة ووجوده المنفصل عن الكون انفصالا متميزًا، وبين صنعه المباشر الذى فسروه تفسيرًا يقرب كثيرًا من نظرية الصدور. وزاد المسألة تعقيدًا بعض آيات القرآن الكريم التى جعلتهم يعتقدون أن ما سوى الله عدم بالضرورة. ويمكننا أن نقول هنا اجمالًا إن علماء الكلام فى القرون الوسطى أخذوا بفكرة "الذات" وميزوا الله عن مخلوقاته إلى حد أنه أصبح من العسير عليهم أن يفسروا كيف يمكن الله أن يؤثر فى الكون. وبعملهم هذا ارتقوا بعقيدتى "التنزيه" و"المخالفة" أى أنهم نزهوا الله عن جميع الصفات القابلة للتغير، وأثبتوا لصفاته أنها تخالف بالضرورة نفس هذه الصفات إذا أطلقت على البشر. وعلى عكس هذا


(*) الآيات التى بجوارها (*) تم ضبطها فيما نراه صوابا وكانت فى الأصل ٢٧٤، ٢٧، ٢٧، ٣٨، ١٠٩، ٢٦.
المحرر