للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه حق، وأن حقه فى الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على ألسنة أنبيائه عليهم السلام لا بمجرد العقل، ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة، فتلقّوا أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به.

ويكاد يتمم هذا ويكمله ما قيل عن أفعال العباد، يقول الإمام محمد عبده:

وكما يشهد سليم العقل والحواس من نفسه أنه موجود لا يحتاج فى ذلك إلى دليل يهديه ولا معلم يرشده، كذلك يشهد أنه مدرك لأعماله الاختيارية يزن نتائجها بعقله ويقدرها بإرادته ثم يصدرها بقدرة ما فيه. ويعد إنكار شئ من ذلك مساوياً لإنكار وجوده فى مجافاته لبداهة العقل. فإن كان قد هداه البرهان وتقويم الدليل إلى أن حوادث الكون بأسره مستندة إلى واجب وجوده واحد يصرفه على مقتضى علمه وإرادته خشع وخضع ورد الأمر إليه فيما لقى، ولكن مع ذلك لا ينسى نصيبه فيما بقى. فالمؤمن كما يشهد بالدليل وبالعيان أن قدرة مكوّن الكائنات أسمى من قوى الممكنات يشهد بالبداهة أنه فى أعماله الاختيارية -عقلية كانت أو جسمانية- قائم بتصريف ما وهب الله له من المدارك والقوى فيما خلقت لأجله. وقد عرف القوم شكر الله على نعمه، فقالوا: هو صرّف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خُلق لأجله. على هذا قامت الشرائع وبه استقامت التكاليف، ومن أنكر شيئاً منه فقد أنكر مكان الإيمان من نفسه، وهو عقله الذى شرّفه الله بالخطاب فى أوامره ونواهيه.

ودعوى أن الاعتقاد بكسب العبد لأفعاله يؤدى إلى الإشراك بالله وهو الظلم العظيم دعوى من لم يلتفت إلى معنى الإشراك على ما جاء به الكتاب والسنة، فالإشراك اعتقاد أن لغير الله أثراً فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة، وإن لشئ من الأشياء سلطاناً على ما خرج عن قدرة المخلوقين، وهو اعتقاد من يعظم سوى الله مستعيناً به فيما لا يقدر العبد عليه. هذا هو الشرك