الذى كان عليه الوثنيون ومن ماثلهم فجاءت الشريعة الإسلامية بمحوه وردّ الأمر فيما فوق القدرة البشرية والأسباب الكونية إلى الله وحده، وتقرير أمرين عظيمين هما ركنا السعادة وقوام الأعمال البشرية:
الأول: أن العبد يكسب بإرادته وقدرته ما هو وسيلة لسعادته.
والثانى: أن قدرة الله هى مرجع لجميع الكائنات وأن من آثارها ما يحول بين العبد وبين إنفاذ ما يريده وأن لا شئ سوى الله يمكن له أن يمد العبد بالمعونة فيما لم يبلغه كسبه.
فالإيمان بوحدانية الله لا يقتضى من المكلف إلا اعتقاد أن الله صرفه فى قواه، فهو كاسب لإيمانه ولما كلفه الله به من بقية الأعمال، واعتقاد أن قدرة فوق قدرته ولها وحدها السلطان الأعلى فى إتمام مراد العبد بإزالة الموانع أو تهيئة الأسباب المتممة، مما لا يعلمه ولا يدخل تحت إرادته.
أما التطلع إلى ما هو أغمض من ذلك فليس من مقتضى الإيمان وإنما هو من شره العقول فى طلب رفع الأستار عن الأسرار. والأفعال الإنسانية الاختيارية لا تخرج عن أن تكون من الأكوان الواقعة تحت مداركنا، وما تنفعل به نفوسنا عند الإحَساس بها، أو استحضار صورها، وهذا يشابه كل المشابهة ما تنفعل به عند وقوع بعض الكائنات تحت حواسنا أو حضورها فى مخيلاتنا، وذلك بديهى لا يحتاج إلى دليل.
فمن الأفعال الاختيارية ما هو معجب فى نفسه تجد النفس منه ما تجد من جمال الخلق، ومنها ما هو قبيح فى نفسه يحس منه ما يحس من رؤية الخلق المشوه، ومنها ما هو قبيح لما يعقبه من الألم، وما هو حسن لما يجلب من اللذة أو دفع الألم.
ومن الأفعال الاختيارية ما يحسن باعتبار ما يجلب من النفع وما يقبح بما يجر إليه من الضرر، ويختص الإنسان بالتمييز بين الحسن والقبيح بهذا المعنى إذا أخذ من أكمل وجهاته. وقلما يشاركه فيه حيوان آخر اللهم إلا من