للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أحط جهاته، وهو خاصة العقل وسر الحكمة الإلهية فى هبة الفكر. فالناس متفقون على أن من الأعمال ما هو نافع ومنها ما هو ضار، وبعبارة أخرى منها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح، ومن عقلائهم وأهل النظر الصحيح والمزاج المعتدل منهم من يمكنه إصابة وجه الحق فى معرفة ذلك، ومتفقون كذلك على أن الحسن ما كان أدوم فائدة وإن كان مؤلما فى الحال وأن القبيح ما جرّ إلى فساد فى النظام الخاص بالشخص أو الشامل له ولمن يتصل به وإن عظمت لذته الحاضرة. ولكنهم يختلفون فى النظر إلى كل عمل بعينه اختلافهم فى أمزجتهم وسحنهم ومناشئهم وجميع ما يكتنف بهم، فلذلك ضربوا إلى الشر فى كل وجه وكل يظن أنه إنما يطلب نافعاً ويتقى ضاراً، فالعقل البشرى وحده ليس فى استطاعته أن يبلغ بصاحبه ما فيه سعادته فى هذه الحياة اللهم إلا فى قليل ممن لم يعرفهم الزمن، فإن كان لهم من الشأن العظيم ما به عرفهم أشار إليهم الدهر بأصابع الأجيال، وقد سبقت الإشارة إليهم فيما مر. وليست عقول الناس سواء فى معرفة الله تعالى ولا فى معرفة حياة بعد هذه الحياة، فهم وإن اتفقوا فى الخضوع لقوة أسمى من قواهم وشعر معظمهم بيوم بعد هذا اليوم ولكن أفسدت الوثنية عقولهم وانحرفت بها عن مسلك السعادة، فليس فى سعة العقل الإنسانى فى الأفراد كافة أن يعرف من الله ما يجب أن يعرف ولا أن يفهم من الحياة الآخرة ما ينبغى أن يفهم ولا أن يقرر لكل نوع من الأعمال جزاءه فى تلك الدار الآخرة، وإنما قد تيسر ذلك لقليل ممن اختصه الله بكمال العقل ونور البصيرة وإن لم ينل شرف الاقتداء بهدى نبوى ولو بلغه لكان أسرع الناس إلى اتباعه وهؤلاء ربما يصلون بأفكارهم إلى العرفان من وجه غير ما يليق فى الحقيقة أن ينظر منه إلى الجلال الإلهى. ثم من أحوال الحياة ما لا يمكن لعقل بشرى أن يصل إليه وحده وهو تفصيل اللذائذ والآلام وطرق المحاسبة على الأعمال ولو بوجه