ما. ومن الأعمال ما لا يمكن أن يعرف وجه الفائدة فيه لا فى هذه الحياة ولا فيما بعدها - كصور العبادات كما يرى فى أعداد الركعات وبعض الأعمال فى الحج فى الديانة الإسلامية وكبعض الاحتفالات فى الديانة الموسوية وضروب التوسل والزهادة فى الديانة العيصموية، كل ذلك مما لا يمكن للعقل البشرى أن يستقل بمعرفة وجه الفائدة فيه ويعلم الله أن فيه سعادته، لهذا كله كان العقل الإنسانى محتاجاً فى قيادة القوى الإدراكية والبدنية إلى ما هو خير له فى الحياتين إلى معين يستعين به فى تحديد أحكام الأعمال وتعيين الوجه فى الاعتقاد بصفات الألوهية ومعرفة ما ينبغى أن يعرف من أحوال الآخرة وبالجملة فى وسائل السعادة فى الدنيا والأخرة، ولا يكون لهذا المعين سلطان على نفسه حتى يكون من بنى جنسه ليفهم منه أو عنه ما يقول وحتى يكون ممتازاً على سائر الأفراد بأمر فائق على ما عرف فى العادة وما عرف فى سنة الخليقة ويكون بذلك مبرهناً على أنه يتكلم عن الله الذى يعلم مصالح العباد على ما هى عليه ويعلم صفاته الكمالية وما ينبغى أن يعرف منها والحياة الآخرة وما أعد فيها فيكون الفهم عنه والثقة بأنه يتكلم عن العليم الخبير معيناً للعقل على ضبط ما تشتت عليه أو درك ما ضعف عن إدراكه، وذلك المعين هو النبى عليه الصلاة والسلام.
بهذا التعقيب قصدت -غير ما قدمت- أن أضع صورة كاملة حية لله عند المسلمين، خالية من الخلافات، وإنما تجمع الرأى العام السليم، وأن أجعل من تلك الصورة المتكاملة فرصة لمن تعز عليه المراجع، فيطالعها هنا فى يسر غير موزع بين خلافات لا طائل تحتها، ثم يطالع فيها غير المسلم هذا المنظر الرائع من تقديس وتنزيه لرب العالمين، وهذا الخضوع والخشوع لله، وهذه كلها سر الانقياد والطاعة، والتزام الخير وتجنب الشر، والضرب فى سبيل الفلاح، لبلوغ تلك الغاية التى صرح بها القرآن الكريم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.