كان النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ليتعرض لهذه المسألة الصعبة من تلقاء نفسه.
أما فيما يتعلق بأمة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] خاصة، فنستطيع أن نتبين بعض الاختلاف والتبدل فى معنى كلمة أمة، والمسألة هنا أسهل لأننا نعالج إلى حد ما مسألة تاريخية.
كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فى أول رسالته يعتبر العرب عامة ومواطنيه من أهل مكة أمة قائمة بذاتها. وكما أن الله أرسل رسله ومنذريه إلى الأمم السالفة، فهو قد أرسل محمداً ليبلغ رسالة الله إلى الأمة العربية، ويبين لها طريق النجاة، ولم يكن قد بعث فيها رسولا من قبل. وقد كذب وأوذى أشد الإيذاء، شأن من سبقه من الرسل. وبعد أن قطع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] علاقاته مع أهل مكة الوثنيين، وهاجر هو وأصحابه إلى المدينة، أسس جماعة جديدة تجعل أهل المدينة جميعاً، جماعة سياسية واحدة، بما فيهم المسلمون ومن لم يستجيبوا إلى دعوته الدينية. وينص كتاب النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بين المهاجرين والأنصار الذى وضعت فيه أسس هذا الحلف نصاً صريحاً على أن أهل المدينة جميعاً يكونون أمة (ابن هشام ص ٣٤١ وما بعدها، ص ٣٤٢ وما بعدها). على أن الصبغة السياسية الغالبة فى هذه الأمة الجديدة إنما كانت مؤقتة. فلم يكد محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يحس أن مركزه قد توطد فى المدينة ويرى انتصاره فى حروبه مع كفار مكة، حتى استطاع أن يخرج من جماعته السياسية الدينية أهل المدينة، الذين لم يعتنقوا الدين الذى جاء به.
وبمرور الزمن صارت أمته تتألف من المسلمين وحدهم، وصار يعتبر المسلمين أمة، ويؤكد صفاتهم الخلقية والدينية (سورة آل عمران، آية ١٠٤، ١١٠)، ويعتبرهم غير أهل الكتاب الذين كان محالفاً لهم.
وبدأ محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يميل شيئاً فشيئاً إلى أهل مكة وإلى الكعبة خاصة (انظر فى هذا سورة البقرة، آية ١١٩ وما بعدها، وخصوصاً آية ١٢٢، سورة الحج،