وإذا نظرنا فى هذه الأحاديث نظرة نقدية نجد أنه لا يُجرح منها إلا الحديث الذى ذكرناه فى الفقرة الثالثة، وهو حديث لا يخلو من الغموض، ولذلك فإنه يفضل عادة الاستشهاد برأى عمر واتخاذه حجة على وجهة النظر التى سادت فيما بعد.
(٥) وقد استطاع العينى (البخارى، عتق، آخر الباب الثامن) أن يعطينا سبعة آراء مختلفة فى أم الولد إلى جانب رأى عمر وذلك فى زمن الفقهاء المتقدمين قبل نشأة المذاهب:
١ - يجوز للسيد أن يعتق أم الولد [أو غيرها من الرقيق] مقابل مال يأخذه (فتكون كالمكاتبة).
٢ - ويجوز بيع أم الولد من غير قيد ولا شرط.
٣ - ويجوز لسيدها بيعها فى أى وقت إبان حياته، فإذا لم يبعها ومات عنها تصبح حرة (وتعتبر مدبرة، ويقال إن الشافعى أخذ بهذا الرأى).
٤ - ويجوز بيعها سداداً لدين سيدها المتوفى.
٥ - ويجوز بيعها، ولكن إذا كان ولدها على قيد الحياة عند وفاة أبيه، فإنها تعتق وتحسب من نصيب الولد فى التركة وترث معه.
٦ - ويجوز بيعها على شرط أن تعتق ولا يجوز بغير هذا الشرط.
٧ - أنها أن عتقت وأبقت لم يجز بيعها، وإن فجرت أو كفرت جاز بيعها (ويقول المُزنَى إن الشافعى لم يقطع برأى فى هذا الموضوع)(١).
وفى ذلك الوقت نفسه، كان الرأى الذى يذهب إلى أن أم الولد لا يصح بيعها وإنما تصبح حرة عند وفاة سيدها قد اجتذب إليه كثيرين من المؤيدين منهم: الحسن البصرى وعطاء ومجاهد والزُّهرى وإبراهيم النَّخَعى وغيرهم (انظر الخوارزمى: كتابه المذكور، جـ ٢، ص ١٦٧، كتاب الآثار، ص ٧١، ص ١٠٢).
(١) لا أدرى من أين جاء الكاتب بهذا النقل عن المزنى، والذى فى شرح العينى على البخارى (ج ١٣، ص ٩٢ طبعة المطبعة المنيرية) نقلا عن الشافعى أنه منع بيعها فى أكبر كتبه، وأنه أجاز بيعها فى بعض كتبه، ثم نقل عن المزنى قال "قطع -يعنى الشافعى- فى أربعة عشر موضعا من كتبه بأن لا تباع" قال العينى: "وهو الصحيح من مذهبه وعليه جمهور أصحابه".