١٠١ - ١٤٦)، فإننا اليوم مقتنعون بأن تأثير العنصر اللاشعورى فى إظهار ما كمن من جهود الفرد لا يقل عن تأثير العنصر الشعورى، ويجب فى هذا الأمر أن نقرر أن فلهاوزن ومن ترسم آثاره تحيّفوا من شأن العامل الدينى. فالحق إنه إذا كانت نزعات أهل التقى بعيدة كل البعد عن سلائل أشراف مكة الذين حاربوا الإسلام فى أوائل حياته، وإذا كان يجب على الإنسان أن يسلم بأن فى بقاء السلطان فى أيديهم بقاء لسادة الجاهلية ولنزعات من كان يشتغل بالتجارة فى تلك البلاد، فلا شك فى أننا نستهدف لأن نخطئ الحق فى تاريخ بنى أمية إذا تجاهلنا أن انتصار الحركة العربية انتصارًا لم يسمع بمثله من قبل إنما تم تحت لواء الدين الذى جاء به القرآن الكريم. ولا يستطيع مفكر، حتى أحدث المفكرين وأشدهم غلوًّا فى الشك، أن يتجاهل هذه الحقيقة التى لا يمكن الفرار منها.
ولابد أن خلفاء بنى أمية -كأهل عصرهم وبلادهم- كانوا يعتقدون فى قرارة نفوسهم أن انتشار الدين الإسلامى ونمو سلطانهم السياسى صنوان لايفترقان. ولابد أنهم كانوا على يقين من أن خصومهم السياسيين من الشيعة أو من الخوارج كانوا أيضًا خصومًا للسنة النبوية. وقد وعت لنا الكتب التى خلفها لنا المؤرخون ما يدل دلالة لا يتطرق إليها الشك على اقتناع خلفاء بنى أمية بذلك.
وإذا كانت التواريخ التى كتبت بعد سقوط دولتهم، والتى كان أصحابها متأثرين بالآراء السائدة بين أهل التقى، تقرن ذكر الأمويين بالسخط واللعنة، فينبغى ألا ننسى حقيقة لاريب فيها: هى أن الإسلام إنما توطدت أركانه ديناً تدين به الأمم فى أيام حكمهم، وكان بعض ذلك بتأثيرهم.
على أن التاريخ الذى تغلب عليه روح الدين، والذى أصبح تاريخ الإسلام الرسمى فى عهد بنى العباس يعيب على الأمويين أشياء كثيرة، حتى أنه يرميهم بالتقصير فى أداء الفرائض الدينية، وأنهم نبذوا روح الدستور الإسلامى فى الحكم، ذلك الدستور