وكان الحجاج يعتبر نفسه خادماً لسيده بالرغم من أنه كان يحكم نصف الإمبراطورية. وكان تأسيسه لمدينة واسط وإقامته للزنج فى بطائح البصرة وسائل قصد بها أن يضعف من شوكة العنصر القبلى، على أن مصر لم يتيسر إنزالها إلى هذه المرتبة وإتباعها لمركز الخلافة، لأنها كانت تتمتع بمركز مستقل بعض الاستقلال عن الحكومة المركزية منذ أيام عمرو بن العاص. وكان لمصر شأن أساسى فى سلامة الشام، فرأى عبد الملك أن يولى عليها أخاه عبد العزيز من غير رقيب، وأراد بهذا أن يحافظ على مبدأ الوحدة فى الإمبراطورية مع احترام رغبة المصريين فى الاستقلال. غير أن عبد العزيز رأى نفسه نائبًا عن الملك واعتبر هذا سلماً للخلافة.
وقام عبد الملك بأعمال أخرى أراد بها توحيد الدولة: فأنشأ نظام الإحصاء المالى وأراد به أولا أهل الذمة، ولكن الأمر انتهى بفرضه على المسلمين أنفسهم. ثم جعل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة، وأصلح نظام النقد، وشيد المبانى والأعمال الصحية ولاسيما فى العراق ومصر ووسط جزيرة العرب، واستطاع فى عشرين سنة تولى الخلافة فيها أن يظهر الإمبراطورية العربية بمظهر يقرب من الدولة الملكية شيئاً فشيئاً. وكان هذا عملا بالنظام الذى رسمته السنة الإسلامية الصحيحة.
وفى الحق إن نزعة عبد الملك إزاء الدين تمتاز بانتعاش روح التقوى، فى الظاهر على الأقل، وبالشدة فى معاملة غير المسلمين، وكانت هذه الشدة ناشئة إلى حد كبير عما تطلبته سياسة عبد الملك من مال. ونعتقد أنه أراد بها أن يتحاشى بقاء "دولة فى داخل الدولة".
ويجب أن نعتبر ما فعله عبد الملك من الحصول على تنازل أخيه عبد العزيز عن حقوقه فى الخلافة لأبناء الخليفة دليلا على نزعته إلى الملكية. فلما مات عبد العزيز زالت الصعوبة فخلص العرش للوليد بن عبد الملك. ولكن مشكلة وراثة الخلافة كانت تتجدد عند كل خليفة جديد، ولم ينته أمرها حتى فى عهد العباسيين.