ونستطيع أن نقرر باختصار أن خلافة عبد الملك عملت على تقوية الامبراطورية العربية بقدر ما كانت تسمح الظروف. على أن انقسام الأحزاب المتطلعة للخلافة أيام ابن الزبير والأشعث شجع الخوارج على الفتنة ...
وبعد أن عادت إلى الدولة وحدتها ظهرت أساليب القمع الشديدة التى جرى عليها الحجاج فأضعفت حركة الخوارج، إن لم تكن قد قضت عليها قضاء مبرماً. أما الشيعة، وقد هزموا فى ميدان الكفاح الظاهر، فقد لجأوا إلى الدعوة السرية، ولم تثمر هذه الدعوة ثمرتها إلا بعد زمان طويل. وكانت دعوة الشيعة فى دورها السرى قد جمعت إليها عناصر كثيرة غير متجانسة كان من شأنها أن تطبع تطور السياسة الإسلامية والدين الإسلامى فيما بعد بطابع خاص. ولكن هذا كان سرًا لم تكشف عنه الأيام إلا فيما بعد. أما فى ذلك الحين فإن استتباب النظام فى الداخل أحدث انتعاشاً عظيما فى حركة الفتح، فقويت السياسة التى ترمى إلى توسيع الإمبراطورية. وهذه السياسة التى جرى عليها عبد الملك فى الشرق والغرب آتت أبهر نتائجها فى عهد خلفائه الأقربين. وأخمدت ثورة البربر العظيمة التى قام بتنظيمها كُسَيْلَة ومن بعده الكاهنة. وتوطد الحكم العربى فى شمالى إفريقية فقضى على ما بقى من الحكم البوزنطى ومهد السبيل لفتح الأندلس.
أما فى الشرق فرغم أن الفتوحات الواسعة التى قام بها قتيبة بن مسلم لم تبدأ إلا عام ٨٦ هـ فى أوائل حكم الوليد، فإننا نجد المسلمين قد واصلوا التقدم فى آسية الغربية فى عهد عبد الملك. وكان من أعظم نتائج ذلك دخول الترك فى الإسلام، وكانوا سادة المستقبل. أما النزاع مع البوزنطيين فقد ظل من غير أن تتغير صبغته، ورغم أن العرب تقدموا فى أرمينية وأخضعوا كورها فإنهم لم يفلحوا فى تثبيت قدمهم فى آسية الصغرى، وكانت الأساطيل اليونانية لا تفتأ تغير على شواطئ الشام. ولكن الإسلام كان فى تقدم مطرد، ودخلت فى المدنية