وإلى جانب ذلك كله، هذا الاتصال بين الأديان، وتتابعها فى تقرير حقائق واحدة، وهو ما يكرره القرآن مرارا، ويقرر به وحدة التدين، وتصديقه لما بين يديه؛ فلم لا تكون هذه من الأشياء المشتركة بين الأديان المتواصلة، التى صدرت عن أصل واحد، لغاية واحدة! ! ولمَ نفسد هذه الصلة بين الأديان بالحرص على تقرير أصالة واحد منها، وأخذ الثانى عنه، أو استناده إليه، أو تأثره به! ! إن هذا الإفساد للصلة بين الأديان ليس من المنهج الاجتماعى الصحيح، ولا هو من خير البشرية فى شئ! ! ولا موضع للحرص الخاص عليه إلا بقدر ما يخدم الرغبة السيئة فى التفريق، وإشاعة البغضاء التى هى شر كلها.
وفى هذا اللفت كفاية لما فى صنيع القوم، من الدخل المنهجى، والقصد من الدراسة إلى ما ليس من الخير، ولا من المصلحة فى شئ؛ وليست بنا حاجة ما إلى إثارة شئ من الجدل الديني، والتعصب المذهبى لأنه ليس من العلم فى شئ ولا من خير الناس فى شئ.
-٤ -
ضيق النظرة
نقل الكاتب لقاء يوحنا المعمدان لإبليس وسؤاله إياه، متى يتمكن من بنى آدم، وإجابته إياه، بأن ذلك حين يأكلون ويشربون.
وهو استرسال من الكاتب فيما قصد إليه من الاستناد إلى الروايات النصرانية، والتذكير بإنجيل متى ... إلخ مما أشرنا إليه فى الفقرة السابقة؛ وأريد لأبين أن هذا الاتجاه قد ضيق نظرة الكاتب، ولم يدعه يرجع إلى الثقافة الإسلامية نفسها عن مثل هذه المعانى التى عنى بها فى المادة؛ ولو قد اتسع نظره فى تلك الثقافة الإسلامية، التى يكتب دائرة معارفها، لوجد فيها من الغرض لهذا المعنى ما هو أعمق نظرا، وأسلم تناولا من مقابلة إبليس وسؤاله، وإجابته الخيالية، فهذا الحكيم الترمذى يخرج هذا المعنى فى آفة الأكل والشرب، وتمكن إبليس بواسطتها من الإنسان؛ فنجد لإخراجه صورة حكمية أفضل من هذا الحوار المصطنع مع إبليس، إذ يقول الترمذى: " ... وذلك أن