منه أن يتعرض لغير عقيدة المسلمين فى أن القرآن ليس وحيا إلهيا؛ لأن المقام ليس مقام الحديث عن العقائد، لكنه مقام التقرير الدراسى لحقائق فى الثقافة الإسلامية بعامة، أو فى تعبير القرآن بخاصة، وهى تورد دون إشارة ما إلى العقيدة فى القرآن موافقة للإسلام أو مخالفة له، بأن يقول: وهذا جمع بين قصتين، أو يقول: وقد جمع -بالبناء للمجهول- فى هذا بين قصتين ... أو ما يماثل ذلك فيؤدى الملاحظة التى لاحظها، دون تعرض لعقيدته هو ضد هذا القرآن، أو عقيدة
غيره فى جانب القرآن.
وهذه الظاهرة -من حيث المنهج الصحيح- آفة القوم فى تناولهم؛ وقد علق عليها غير مرة فى ترجمة هذه الدائرة؛ ولا أعرض لها هنا إلا من الناحية المنهجية المحضة، تنزيها للبحث حين يبحثون هم، وللتعليق حين نعلق نحن على الصبغة الاعتقادية، والاندفاع المتعصب؛ وتطهيرا له من الغمز واللمز، مهما يكن قد وقع من المحظور فى تناولهم هم، أو كان تناولهم هذا كله ليس إلا خدمة لمثل هذه الأغراض ... ووفاء بعذر خير من عذر بغدر؛ كما قال الأولون عندنا، وكما نرجو أن ننهج نهجهم.
-٣ -
إفساد الصلة بين الأديان
قال الكاتب:"تستند قصة إبليس إلى الروايات النصرانية": كما قال أيضًا: "عبارة القرآن هنا تذكرنا بإنجيل متى (الإصحاح الخامس والعشرين، الآية ٤١) ... ورد اللاحق من عبارته إلى السابق منها، يشعر بأنه يؤكد بها ما يريد تقريره من استناد قصة إبليس فى القرآن إلى الرواية النصرانية.
وهذه كذلك هى خلتهم فى الحرص على تقرير الأخذ، والاستناد، والتأثر، ما أشبه ... ونسألهم باسم منهج البحث والدرس السليم: فيم هذا الاستناد إلى الروايات النصرانية؟ ! والمسألة معروفة فى غير دين من الأديان؛ قد تحدث عن إبليس والشياطين؛ وفى هذه الأديان ما هو أسبق من النصرانية وأقدم، فبأى حجة يقرر هذا الاستناد إلى الروايات النصرانية بخاصة! !