وظل أكثر من عشرين عامًا على اتصال وثيق بأبى الربيع بن سالم أعظم محدثى الأندلس، وهو الذى حبب إليه إتمام كتاب "الصلَة" لابن بَشْكُوال. وكان كذلك كاتب سر والى بلنسية أبى عبد الله محمد بن أبى حَفْص بن عبد المؤمن بن على، ثم كاتب سر ابنه أبى زَيْد، ثم أخيرًا كاتب سر زَيّان بن مَرْدَنيش. ولما حاصر ملك أرغونة "دون جايم" Don Jayme مدينة بلنسية فى رمضان عام ٦٣٥ هـ (إبريل - مايو ١٢٣٨ م) أوفد ابن الأبار فى مهمة سياسية إلى سلطان تونس أبى زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص ليقدم إليه وثيقة يعترف فيها سكان بلنسية وأميرها بسيادة الدولة الحفصية، فلقى السلطان فى ٤ من المحرم عام ٦٣٦ هـ (١٧ أغسطس ١٢٣٨ م) وأنشده قصيدة سينية يلتمس فيها مساعدته للمسلمين فى الأندلس. ثم رجع إلى بلنسية، ولكنه سرعان ما غادرها مع جميع أفراد أسرته إلى تونس قبل سقوط بلنسية فى أيدى المسيحيين، أو بعده بأيام قلائل، وذلك فى صفر ٦٣٦ هـ (سبتمبر - أكتوبر ١٢٣٨ م). ويذكر ابن خلدون أنه ذهب توًا إلى تونس، بينما يؤكد الغُبْرِينى أنه ذهب أولًا إلى "بجَاية" حيث اشتغل بالتدريس مدة من الزمن. ولقد أحسن سلطان تونس استقباله، وأصبح كاتب سره، وناط به رسم طغرائه وألقابه فى أعلى الرسائل والمنشورات السلطانية وتحت البسملة. ولم يلبث أن عُزل من هذا المنصب وأسند إلى أبى العباس الغَسّانى، وكان لا يشق له غبار فى كتابة الخطوط المشرقية التى كان السلطان يفضلها على الخط المغربى. وترك ذلك فى نفس ابن الأبار أثرًا عميقًا، ولكنه ظل بالرغم من التحذير المتكرر يضع الطغراء السلطانى على الوثائق التى كان يكتبها. واعتكف فى داره وألف كتابه المسمى "إعتْاب الكُتّاب" وأهداه إلى السلطان، فعفا عنه وأعاده إلى منصبه. ويرجع الفضل فى عودته إلى وساطة المستنصر بخاصة لدى أبيه السلطان. ولما مات أبو زكريا