وما دخل عليها من التشويه والتحريف وكان له مع ذلك بصر نافذ، يبطل الباطل، ويحق الحق. وهذا أيضًا ربما لا يقارب ما وصل إليه القرآن الكريم, لأن هذا الحق الذى أظهره فى الدينين اليهوديّ والمسيحى قد غشيته سحب كثيرة من الأباطيل، وطال عليه الأمد، فظن دينا، وقد حالت هذه الغواشى بين الناظر وبين الوصول إلى هذا الحق.
وإما رجل ينطق عن الله العالم بكل شئ، الذى رأى شرعه قد تلاعبت به ظلمات البشر، وغشيه سحاب مركوم، فنطق على لسان من أيده بإرجاع الحق إلى نصابه والنظرية الإسلامية تعتقد الثانى، والمخالفون يعتقدون الأول، وقد حاول المخالفون أن يرجعوا ما جاء فى القرآن الكريم إلى تعليم، وما فى هذا الفصل بعض هذه المحاولات.
ونحن نلاحظ أنه لما أعجز الكاتبين أن يثبتوا أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] قد درس الإنجيل جمعوا بينه وبين المسلمين، وأخذوا يثبتوا أنهم كانوا على علم بالإنجيل.
وكل ما أتوا به من أدلة لا يثبت أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يعلم الإنجيل، وإنما يثبت أن بعض المسلمين فى عصور متأخرة كانوا يعلمونه؛ لأن أقدم ترجمة عربية باعترافهم -وهى أقدم من تلك الترجمة التى تمت فى عهد متقدم جدا- كانت كما نقلوا عن ابن العبرى بين سنة ٦٣١ وسنة ٦٤١, ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] ولد فى يوم ٢٠ أبريل سنة ٥٧١ م وتوفى يوم ٨ يونيو سنة ٦٣٢ م، فالترجمة التى ذكروها لم تتم فى عهده ولم ينتفع بها فى الجدال الذى احتدم بينه وبين أهل الأديان المخالفة طول عمره.
وكل ما شككوا به ليصلوا إلى أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان يعلم الإنجيل تدفعه سيرته وحياته التى عرفت بالتفصيل لا بالجملة. فقد نشأ أميًا بين أميين لا علم يدرسونه، ولا كتب يقرءونها, ولا أساتذة تثقفهم، ولا فلاسفة تعلمهم، ثم قال لهؤلاء الدارسين الكاتبين أهل الذكر والعلم: إلىّ إلىّ، أصحح لكم عقائدكم، وأنقح لكم تاريخكم، وأهذب لكم علومكم، وأضعكم على الجادة التى