السريانية أو اللاتينية أو اليونانية أو ما شئت من لغات- ألفاظ تدل على هذه المعاني التى يريدونها، فجاء منهم الذين ترجموا أقوالهم وكتبهم وعلومهم وترجموا هذه المعاني المدلول عليها بألفاظ أعجمية، فأطلقوا عليها ألفاظا عربية لها معان أخرى فى لغة العرب. فسموا هذه "الأقانيم": "الأب والابن وروح القدس"، وكانت هذه الترجمة، وكان هذا الإطلاق بعد ظهور الإسلام وانتشاره، وكان ذلك من أناس ليسوا من العرب الخلص، وليسوا حجة فى اللغة العربية، فلا يكون عملهم أكثر من أنه خطأ صرف، ولا يكون حجة على لغة العرب، ولا على الاستعمال العربى للألفاظ، فضلًا عن أن يكون حجة على القرآن الكريم، وعلى سيد العرب وأفصحهم محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا واضح بديهى لا يحتاج إلى شرح وتفصيل: لغة أطلق فيها ألفاظ على معان، ثم يأتي ناس من غير أهلها ويطلقون بعض ألفاظها على معان أخرى غير ما دلت عليه فى تلك اللغة: أيكون ذلك دليلا على خطأ اللغة الأصلية؟ أم يكون دليلا على جهل الناقل وخطئه فقط؟ !
وأكثر من هذا: إذا فرضنا صحة ما يحاول الكاتب وأمثاله ادعاه من نقل كتبهم وأقوالهم إلى لغة العرب قبل الإسلام: هل يكون تعبير الناقلين من اللغات الأعجمية وإطلاقهم الألفاظ على المعانى حجة على الاستعمال العربى الصحيح؟ الجواب بالقول الصريح: كلا. لأن الناقل إلى لغة العرب إن كان أعجمى الأصل فإنه لا يحتج بكلامه عند العرب، وإن كان عربى الأصل كان غير حجة أيضًا، لاختلاط لغته بغيرها من اللغات، فإن علماء العربية لا يحتجون بغير العربى الخالص الذى لم تخالط لغته لكنة أعجمية، سواء ذلك فى المفردات أم فى التركيب -أعنى فى إثبات اللفظ العربى- أم فى قواعد النحو والصرف والبلاغة وغيرها، ولذللُ رفضوا الاحتجاج بالشعر والنثر من أقوام نشئوا فى الحواضر بعد اتصال الأعجام بالمسلمين، ثم رفضوا الاحتجاج بكلام المولدين مطلقا.