(٩) أما أن اليعقوبى والمسعودى وغيرهما من علماء المسلمين كانوا على علم بهذه المؤلفات التى تسمى "الأناجيل" فهذا شئ معروف مشهور، نسلم به، ونزيد عليه أنهم كانوا يعرفون كل المعرفة كيف ألفت هذه الكتب، ويعرفون قيمتها التاريخية، كما سنذكر قريبًا إن شاء الله. ولكن تعبير الكاتب عن المسعودى قد يوهم بعض القراء أن له صلة حقيقية بالنصارى والكنائس من الوجهة الدينية، وهذا ما لا أصل له ولا شبهة. وانظر نص كلام المسعودى فى تاريخه بعد ذكر مولد المسيح عليه السلام، قال (١: ٢٩ - ٣٠ طبعة بولاق): وكان من أمره ما ذكره الله عَزَّ وَجَلَّ فى كتابه، واتضح على لسان نبيه محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد زعمت النصارى أن أشيوع الناصرى -يريد المسيح- أقام على دين من سلف من قومه يقرأ التوراة والكتب السالفة فى مدينة طبرية من بلاد الأردن فى كنيسة يقال لها المدراس ثلاثين سنة، وقيل تسعا وعشرين سنة، وأنه فى بعض الأيام كان يقرأ فى سفر أشعياء، إذ نظر فى السفر إلى كتاب من نور فيه: أنت نبيى وخالصتى، اصطفيتك لنفسى. فأطبق السفر ودفعه إلى خادم الكنيسة، وخرج وهو يقول: الآن تمت المشيئة لله فى ابن البشر. وقد قيل: إن المسيح عليه السلام كان بقرية يقال لها ناصرة من بلاد اللجون من أعمال الأردن، وبذلك سميت النصرانية. ورأيت فى هذا القرن -كذا فى الأصل, ولعله فى هذه القرية- كنيسة تعظمها النصارى، وفيها توابيت من حجارة فيها عظام الوتى، يسيل منها زيت ثخين كالُّرب، تتبرك به النصارى. وأن المسيح مر ببحيرة طبرية وعليها أناس من الصيادين والقصارين. وقد ذكر أن ميروحنا وشمعون وبولس ولوقا هم الحواريون الأربعة الذين تلقوا الإنجيل، فألفوا خبر عيسى عليه السلام وما كان من أمره وخبر مولده، وكيف عمده يحيى بن زكريا، وهو يحيى المعمدانى، فى بحيرة طبرية، وقيل فى بحر الأردن الذى يخرج من بحيرة طبرية ويجرى إلى البحيرة المنتنة، وما فعل من الأعاجيب, وأتى من المعجزات، وما قالت اليهود إلى أن رفعه الله عز وجل إليه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وفى