"وأما الإنجيل فى عرف القرآن فهو ما أوحاه الله إلى رسوله عيسى ابن مريم عليه السلام من البشارة بالنبى [- صلى الله عليه وسلم -] الذى يقيم الشريعة والحكم والأحكام، وهو ما يدل عليه اللفظ، وقد أخبرنا سبحانه أن النصارى نسوا حظا مما ذكروا به كاليهود، وهم أجدر بذلك، فإن التوراة كتبت فى زمن نزولها، وكان الألوف من الناس يعلمون بها، ثم فقدت، والكثير من أحكامها محفوظ معروف، ولا ثقة بقول بعض علماء الإفرنج من أن الكتابة لم تكن معروفة فى زمن موسى عليه السلام. وأما كتب النصارى فلم تعرف ولم تشتهر إلا فى القرن الرابع للمسيح عليه السلام, لأن أتباع المسيح عليه السلام كانوا مضطهدين بين اليهود والرومان، فلما أمنوا باعتناق الملك قسطنطين النصرانية -سياسة- ظهرت كتبهم، ومنها تواريخ المسيح المشتملة على بعض كلامه الذى هو إنجيله، وكانت كثيرة، فتحكم الرؤساء حتى اتفقوا على هذه الأربعة، فمن فهم ما قلناه فى الفرق بين عرف القرآن الكريم وعرف القوم فى مفهوم التوراة والإنجيل تبين له أن ما جاء فى القرآن هو الممحص للحقيقة التى أضاعها القوم، وهى ما يفهم من لفظ التوراة والإنجيل. ويصح أن يعد هذا التمحيص من آيات كون القرآن موحى به من الله، ولولا ذلك ما أمكن ذلك الأمى الذى لم يقرأ هذه الأسفار والأناجيل المعروفة ولا تواريخ أهلها - أن يعرف أنهم نسوا حظا مما أوحى إليهم وأوتوا نصيبًا منه فقط، بل كان يجاريهم على ما هم عليه ويقول الأناجيل لا الإنجيل. ثم إن من فهم هذا لا تروج عنده شبهات القسيسين الذين يوهمون عوام المسلمين أن ما فى أيديهم من التوراة والأناجيل هى التى شهد بصدقها القرآن".
"وقال الأستاذ الإِمام -يريد الشيخ محمد عبده- فى تفسير هذه الجملة: المتبادر من كلمة "أنزل" أن التوراة نزلت على موسى مرة واحدة، وإن كانت مرتبة فى الأسفار المنسوبة إليه فإنها مع ترتيبها مكررة، والقرآن لا يعرف هذه الأسفار ولم ينص عليها. وكذلك الإنجيل نزل مرة واحدة، وليس هو هذه الكتب التى يسمونها أناجيل، لأنه لو أرداها لما أفرد الإنجيل دائما مع