للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغربيين قبيل الفتح العربي، فإنَّه ظل بلا ريب كما هو على وجه التقريب بسبب قلة عدد المسلمين المهاجرين من أجناس أخرى مع ترجيح زيادة نسبة سكان الحضر والقرى عن العناصر الريفية. ومن جهة أخرى يمكن إضفاء أهمية أكبر على الفرض الذي يذهب إلى أن توزيع السكان على مختلف مناطق شبه الجزيرة كانت تمليه دائمًا البيئة الطبيعية، وأن كثافة السكان في آية منطقة معينة كانت تتوقف على ارتفاع الإقليم وطبيعته وعلى المناخ وخصوبة التربة وإمكان ريها. ولا يعد من قبيل المبالغة أن نقول على سبيل التخمين أن أقاليم الأندلس التي يقيم فيها اليوم أقل عدد من السكان كانت على نفس هذا الوضع في عهد خلافة قرطبة.

ومن بين العناصر المكونة لسكان الأندلس المسلمين يجب التمييز بين جماعة المسلمين الجدد -أي الأسبانيين الذين اعتنقوا الإِسلام بعد الفتح نتيجة لتحولهم عن دينهم القديم على تفاوتهم في المبادرة إلى ذلك- وبين العناصر التي تنتمى إلى أجناس أخرى. ومن بين هذه العناصر الأخيرة التي توطنت في البلاد نتيجة لموجات المهاجرين المتتابعة وإن كانت قليلة العدد، يبدو أن عنصر البربر كان أهمها جميعًا، والظاهر أن البربر لم يأتوا من جميع بلاد البربر، ولكنهم جاءوا من أقاليم المغرب الدانية من الأندلس، وهي جبل مراكش والريف. وأما البربر الذين جاءوا من الجانب الآخر لمضيق جبل طارق عندما كانت الظروف السياسية والاقتصادية مواتية لا تضطرهم إلى العودة إلى بلادهم الأصلية على جناح السرعة، فقد دفعهم إلى الأراضى الجبلية المهاجرون العرب الذين تألفت منهم الطَّبقة الأرستقراطية لكي ينعموا وحدهم دون سواهم بحق التحكم في أخصب البقاع بالأرض الأندلسية. وقد يُظن -إستنادًا إلى بعض المعلومات التي أوردها كتاب مثل ابن حزم، وخاصة في كتابة الجمهرة- أن مستعمرات البربر لم تشغل إلَّا بعض أراض متفرقة من المنطقة الساحلية، وأنهم اضطروا إلى الاستقرار في الميزيتا. وما إن توطدت أقدامهم حتَّى استعرب هؤلاء البربر الأندلسيون إلى حد أنَّهم انصرفوا عن