الداخلية والخارجية: Levi Provencal: .Hist. Esp; mus جـ ٣، ص ١ - ١٦٤.
ولم يكن حكم عبد الرَّحْمَن الثالث الذي دام خمسين, عامًا هو ذروة حكم بني مروان في شبه الجزيرة فحسب، بل لقد كان أَيضًا أزهى العصور في تاريخ المسلمين بالأندلس. ولما تُوفي عبد الرَّحْمَن في ٢٢ رمضان سنة ٣٥٠ هـ (٤ نوفمبر سنة ٩٦١ م) خلفه ابنه الحكم الثاني، وكان يبلغ من العمر زهاء خمسين عامًا, وظل في الحكم حتَّى تُوفي في ٣ صفر سنة ٣٦٦ هـ (أول أكتوبر سنة ٩٧٦ م). وكان حكم الحكم الثاني أَيضًا موفقًا ومزدهرًا. ولقد كانت قرطبة كما وصفتها الشاعرة الساكسونية هرسويذا Hroswitha " زينة الدنيا" كما وجدت في الوقت نفسه في شخص أمير مثل الحكم الثاني -الذي كان أديبًا محبًا للكتب- يحفزها إلى أن تصبح أعظم مركز ثقافي للغة والأدب والفقه في العالم الإِسلامي بأسره لذلك العهد، والتمست أسبانيا المسيحية منه الحكم، وبدا أن حركة إعادة الغزو قد كبح جماحها إلى غير رجعة.
ولما تُوفي الحكم الثاني لم يترك خلفًا له إلَّا ابنا صغيرًا لا يصلح للحكم هو هشام الثاني الذي ولد عام ٣٥٤ هـ (٩٦٥ م) وكان ثمرة زواج الخليفة من "أم ولد" غسقونية هي صبح. وما إن أحبطت دسائس القصر حتَّى أصبح الطريق ممهدًا أمام رجل طموح عالى الهمة، لم يلبث أن قبض على زمام السلطة ووجّه أقدار الخلافة بيد من حديد: ألا وهو "الحاجب" المشهور محمَّد بن أبي عامر الذي لقب بالمنصور فيما بعد. ولن نعيد هنا بالتفصيل مراحل الحياة المشرقة لابن أبي عامر التي أوصلته بسرعة إلى أرفع المناصب، بيد أن هذا السياسي المتوقد الذكاء أظهر أنَّه قائد بارع وعالم بفنون الحرب ينهض بمشروعاته في عزم ونجاح. وقام المنصور بهجمات متتالية في "جهاده" ضد الممالك المسيحية في الشمال، وأوقع بها هزائم شديدة، بل نجح في الاستيلاء على هيكل سانت جيمس الشهير في كومبوستلا (Santiago. شنت ياقب) وتدميره أثناء الحملة التي قام بها عام ٣٨٧ هـ (٩٩٧ م) ضد جليقية.