ومات المنصور في مدينة سالم يوم ٢٧ رمضان سنة ٣٩٢ هـ (٩ أغسطس سنة ١٠٠٢ م) في طريق عودته من حملة فاصلة وجهها إلى قشتاله الشمالية. وترك الأندلس سليمة لم تمس، بل استطاع أن يبسط النفوذ السياسي للأندلس على بلاد البربر الغربية بأسرها. منتهجًا في هذا السياسة التي سار عليها عبد الرَّحْمَن الثالث، والحكم الثاني.
وكان من أبرع ما حققه المنصور أنَّه احترم طوال حياته أبهة الخلافة، وحافظ على بعض امتيازاتها سليمة لا تمس من أَجل مولاه هشام الثاني الذي كان يحكم البلاد بالاسم دون الفعل, وأورث هشام نفس سلطات "الحاجب" الابن الأثير للمنصور عبد الملك الذي خلف أباه واتخذ لنفسه لقب التشريف "المظفر" وظل عبد الملك يتولى السلطة حتَّى تُوفى عام ٣٩٩ هـ (١٠٠٨ م) وكانت وفاة عبد الملك بن أبي عامر وحلول شقيقه عبد الرَّحْمَن محله إيذانًا بوقوع اضطرابات وبيلة في الخلافة الأندلسية سرعان ما عجلت بسقوطها.
٥ - انهيار الخلافة المروانية وتقسيم مملكة الأندلس:
أدت سياسة المنصور العسكرية إلى إدخال عدد كبير من بربر شمالي إفريقية المرتزقة إلى الأندلس، أصبحوا بعد وفاته ووفاة خلفه بؤرة تموج بالاضطراب ضد الأندلسيين أنفسهم، وضد كتلة الصقالبة القوية. وقد أشعل فتيل الثورة الرغبة المحمومة التي أبداها عبد الرَّحْمَن سانخويلو في أن يعهد إليه بالخلافة بعد الخليفة هشام الثاني (ربيع الأول عام ٣٣٩ هـ - نوفمبر ١٠٠٨ م)، وقد قوبل هذا العهد باستياء شديد في قرطبة ونفذ أنصار محمَّد بن هشام بن عبد الجبار المطالب بعرش بني مروان حكم الإعدام في الحاجب العامري قرب قرطبة يوم ٣ رجب عام ٣٩٩ هـ (٣ مارس عام ١٠٠٩) إثر مؤامرة دبرت له (عبد الرَّحْمَن بن أبي عامر).