الكتامة (القصر الكبير) , ثبت أن تقدم إعادة الغزو له أهمية متزايدة، ولو أنه لم يكن بأي حال من الأحوال السبب الوحيد للهجرة إلى شمالي إفريقية. وازدادت حركة الهجرة انتشارًا، بازدياد تفكك أسبانيا الإِسلامية، حتى القرن الخامس عشر، وهنالك وقعت الأحداث الخطيرة التي أنذرت بسقوط غرناطة، وقد ثبت أن هذه الأحداث كانت بداية حركة تشتت حقيقية أحدثت في شمالي إفريقية آثارًا لها قيمتها.
وما إن انتهى القرن السادس عشر حتى كان عدد الأندلسيين المبعدين عن وطنهم إلى أرض المغرب كبيرا إلى الحد الذي يمكن اعتبارهم معه أقلية لها شأنها بين سكان المغرب.
وحل القرن السابع عشر، وجاء معه بتطورات جديدة، ولن يقضي بنا وقت طويل حتى نرى نتيجة طرد العرب الأسبانيين جملة. ويقال إن أعددا كبيرة انطلقت من المواني التي أقلعوا منها إلى فاس وتلمسان، ولكن نسبة كبيرة من هؤلاء تعرضت للموت أو للسلب والنهب بأيدى القبائل العربية. ونجح كثير من الآخرين في الانضمام إلى مواطنيهم في الجزائر وفي تونس حيث كان عثمان داي يشجع على انتهاج سياسة الهجرة، فكان المهاجرون يتدفقون عليها زرافات.
ويمكن رسم صورة تفصيلية لا بأس بها للأندلسيين الذين استقروا على هذا النحو في تونس في القرن السابع عشر. لقد كانت حالتهم تختلف إلى حد ما. عن حالة أسلافهم في القرن الثالث عشر الذين اشتهروا بالدور السياسي العظيم الذي قاموا به في الدولة الحفصية، وظهروا في صورة جماعة متفردة منظمة تنظيما عالئا تخضع لرئيس يسمى "شيخ الأندلس"، ويبدو أنهم قد تمتعوا في مجتمعاتهم القروية ببعض الحقوق الشرعية وحظ كبير من الاستقلال في الحكم المحلي. وليس من شك في أن احتكار صناعة "الشاشية" الناجحة والمنظمة تنظيمًا جيدًا قد أتاحت لهم تعديل النظام الاقتصادي حتى أصبح "أمين الشوَّاشة" قانونًا هو أمين التجارة، يرأس محكمة تجارية تخضع لها كل الطوائف الحرفية، وكان أعضاؤها -فيما عدا اثنين فقط- يختارون من