الإمبراطورية. وإن رجوع بعض أشكال الآثار الفنية في هذين القطرين إلى زمن واحد يشير أحيانا إلى أصلهما المشترك ولا يدل على وجود علاقة مباشرة بين الاثنين. ومع ذلك فإن الحضارة في شرق البحر المتوسط قد تطورت دون أن يوقفها شيء منذ القرون الأولى للعصر المسيحي وأثناء القرون الأولى من الإِسلام، على حين أن شبه جزيرة إيبيريا والغرب -بصفة عامة- قد كابدا أزمات شديدة وتعرضا لانحلال كبير في معيار حضارتهما.
ولا نعرف كثير، من التفاصيل عن مرحلة انتقال أسبانيا من حكم القوطيين -حين تجلى افتقارها إلى التجانس واضمحلالها من ضعف مقاومتها للغزاة -إلى حكم المسلمين. ففي المجال الفني تعوزنا التحف الفنية والآثار الباقية من هذا العهد الغامض والعصور الإِسلامية التالية له, ونشأ عن هذا أن الثغرات في كثير من الحالات يجب أن تسد عن طريق الحدس والتخمين.
وقد تطور الفن الأندلسيّ واتخذ له طابعا أصيلا مميزًا. وحدث أثناء فترة الاتصال بالشق بين القرنين الثاني والتاسع الهجريين (الثامن والخامس عشر الميلاديين) أن شيدت هناك بعض الآثار التي تنفرد بجمال لا يضارع، وكمال وأصالة لا نجدها بقيت في أي بلد إسلامي آخر. فمسجد قرطبة المتفرد ببنائه البارع وبثراء زخرفته؛ وقصور مدينة الزهراء التي لا تسامى في فنها وفخامتها؛ وقصر الجعفرية في سرقسطة، الذي يمتاز بإبداع عجيب وبذخ في زخرفته، والذي يجري العمل في الوقت الحاضر لاستعادة بنائه، وبرج الخير الدة، وهو منارة أثرية تعد من أجمل الآثار في العالم الإسلامي؛ وأخيرا هناك قصر ضخم هو قصر الحمراء في غرناطة، لا يزال محتفظًا بحالته على نحو عجيب على الرغم من رهافته الشديدة، وقد تجمع فيه فن العمارة وبدع الطبيعة من ماء جار وخضرة يانعة لتجعل منه مشهدا من أعظم مشاهد العالم إلهامًا.