الأمويون: ومع افتقارنا إلى العمائر القديمة، فإننا يجب أن نبدأ دراسة العمارة الإِسلامية في الأندلس من أقدم جزء في مسجد قرطبة الذي شيده عبد الرحمن الأول بين عامي ١٦٨ و ١٧٠ هـ (٧٨٤ - ٧٨٦ م) أي في فترة تبلغ ثلاثة أرباع القرن بعد غزو شبه الجزيرة وفتحها. وقبيل وفاة هذا الأمير لم يكن باقيًا على اكتمال بناء المسجد إلا اللمسات الأخيرة، وقد قام بإتمامها ابنه هشام (١٧٢ - ١٨٠ هـ = ٧٨٨ - ٧٩٦ م).
ويحتل هذا المصلى القديم الجانب الشمالي الغربيّ من البناء الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم. والمسجد مستطيل الشكل، وجدرانه من الحجر، وهو مقسم إلى إحدى عشرة مقصورة تتجه من الشمال إلى الجنوب بحيث تكون عمودية على جدار القبلة، والمقصورة الوسطى أكبر من المقصورات الأخرى، ويفصل المقصورات بعضها عن بعض أعمدة من الرخام أخذت من المبانى الرومانية أو القوطية الغربية. وعلى التيجان ترتكز حدائر مربعة الشكل، وهي بدورها تحمل كتل حجرية مستطيلة. والنتوء محمول استعراضا بوساطة مساند بارزة وينتهي من أعلى بحديرة. ودعائم العقود متصلة طوليا بصفين من العقود. والعقود السفلي على شكل حدوة الفرس، وهي معلقة ولا تدعم شيئًا، وفوقها صف ثان من عقود شبه دائرية تبرز من الحدائر وتحمل الجدران.
وباستخدام هذه الطريقة في البناء أمكن إقامة بناء ضخم على أعمدة رشيقة مع الاستفادة إلى أقصى حد من المساحة الداخلية وتحقيق رؤية المؤمنين للإمام بوضوح، وهو يؤمهم في الصلاة. ولما كان عرض الدعائم قد زاد بالنسبة لارتفاعها، فقد أصبح من الميسور أن تحمل الأسقف وأن توضع في سمك الجدران ميازيب لتصريف مياه المطر.
وطريقة البناء بعقود مزدوجة متراكبة مما يضفى على مسجد قرطبة جمالا أصيلا وطابعا فريدًا في عمارة القرون الوسطى لا نجدهما في أي مسجد آخر، ففي المساجد الأخرى ذات الأعمدة