تحمل العقود التي تفصل المقصورات عروق خشبية تضفى عليها مظهر المباني الموقوته. ومن عجيب أننا نجد في قرطبة في النصف الثاني من القرن الثامن مثل هذا البناء الكامل، نظرًا للعجز الظاهر في المهارة المعمارية الذي يوحى به استخدام أعمدة كانت أصلًا في عمائر أقدم عهدًا.
وقد بذلت محاولات متكررة لإثبات أصل هذه الأشكال، ويمكن أن تكون طريقة استخدم العقود المزدوجة قد استلهمت من المنشآت الرومانية المعمارية، كالقناطر المعلقة مثلًا. وقد استخدم الحجر مادة للبناء في العمارة الشامية، وكذلك في العمارة القوطية الغربية بأسبانيا. وكثيرًا ما نجد ترتيب الحجارة المنحوتة على التعاقب واتخاذها رباطا ماثلا في العمائر الرومانية في الشرق والغرب، وقد ورثت ذلك من العمائر اليونانية. وعممت العمارة القوطية الغربية استخدام عقد حدوة الفرس، وتوجد نماذج منه في العمارة الرومانية والإِسلامية الشرقية، وإن كانت أقل منها في شبه الجزيرة. وكان الاستخدام المتبادل للحجر والآجر في سنجات العقود شائعا في العمارة الرومانية، وعنها نقلته العمارة البوزنطية، وتكمن أصالة مسجد عبد الرحمن الأول في خطبة بنائه وتنسيقه العام بما يضمه من مقصورات متوازية عديدة وزيادة المقصورة الوسطى في الحجم عن الأخريات كما هو الحال في المساجد الشرقية، وربما يكمن ذلك أيضًا في عضائد الجدار، بل لعله يكمن في الحزوز المدرجة التي تتوجها.
وقد أقتضى ازدياد السكان في قرطبة في عهد عبد الرحمن الثاني (٢٠٦ - ٢٣٨ هـ = ٨٢٢ - ٨٥٢ م) توسيع المسجد، وامتدت رقعة المقصورات جنوبا بهدم المحراب، ونقب جدار القبلة. والجزء الذي أضيف يتبع خطوط البناء القديم، ولكننا نجد من بين العدد الكبير من التيجان التي أخذت من العمائر الأقدم منه أحد عشر تاجا نحتت بإتقان لهذا الغرض واستلهم في نحتها النماذج القديمة المأثورة. وهناك أربعة تيجان من المحراب نقلت بعد إلى مسجد الحكم