الثاني، وهذه التيجان الأخيرة لا تقل إتقانا عن التيجان الرومانية، وهي تدل على وجود مصنع يعمل به نخبة من الصناع المهرة. وبدأت هذه الأعمال عام ٢١٨ هـ (٨٣٣ م). وأول صلاة أقيمت في المسجد قبل بناء المحراب الجديد كانت سنة ٢٣٤ هـ (٨٤٨ م)، ولكن البناء لم يكن تم عند وفاة عبد الرحمن الثاني، وقد أكمله ابنه وخلفه محمَّد الأول عام ٢٤١ هـ (٨٥٥ م) وهو تاريخ يظهر في نقش على باب القديس اسطفان الذي استلهم الفنان في زخارفه المستدقة ولا شك موضوعات الفسيفساء الرومانية، وهذه الزخارف من الطراز البوزنطي.
وترك عبد الرحمن الثالث (٣٠٠ - ٣٥٠ هـ = ٩١٢ - ٩٦١ م) في المسجد الجامع تذكار، لحكمه الطويل المجيد بتشييد مئذنة أثرية جديدة سنة ٣٤٠ هـ (٩٥١ م) مربعة القطاع مثل المآذن الشامية.
وبويع عبد الرحمن الثالث بالخلافة عام ٣٢٦ هـ (٩٣٦ م) وبدأ في بناء المدينة الملكية المعروفة باسم مدينة الزهراء عند سفح الشارات على مسيرة أقل من خمسة أميال من قرطبة، وسار العمل في تشييدها قدما حتى عام ٣٦٥ هـ (٩٧٦ م)، وهي مدة قدرها أربعون عامًا بلغت فيها عظمة الخلافة الأندلسية وسلطانها ذروتهما، كما تشهد بذلك الأطلال المشوهة لقصور هذء المدينة مقر البلاط وعمال الحكومة، وتوسيع مسجد قرطبة بناء على ما أشار به الحكم الثاني.
وأجزاء مدينة الزهراء التي كشف عنها حتى الآن هي أطلال المساكن المبنية بالحجر والدواوين وقاعات الاستقبال، وتقع هذه القاعات في نهاية أفنية وتتألف من عدة مقصورات متوازية تفصلهما عقود على هيئة حدوة فرس قائمة على أعمدة على نسق البازيليكا الكبيرة الشائع في الشرق، وفي سبيل زخرفتها تأججت نفسا الخليفتين بنار الطموح ينشدان إقامة عمائر لا نظير لها بذخًا وفخامة، فجلبا لتحقيق ذلك مواد وصناعا مهرة من الطرف الآخر للبحر المتوسط. ولقد زالت الأسطح والسقوف، ذلك أن مدينة الزهراء نهبت