فأنتم الطلقاء" وهم قومه وعشيرته، ومع ذلك فإنه عاد إلى دار هجرته مع أنصاره وفاء بوعده لهم، واتباعا لأمر ربه في إمضاء هجرته، ولعل الكاتب يشير إلى قسمة غنائم حنين، إذ أعطى رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] من الغنائم لقريش ولم يعط الأنصار شيئًا، فقال ناس من الأنصار: "يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ " فبلغ ذلك رسول الله فأرسل إلى الأنصار ولم يدع معهم غيرهم، وسألهم فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ " فقال فقهاء الأنصار: "أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئًا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ " فقال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]: "فإني لأعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به" قالوا: "يا رسول الله، قد رضينا". رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] قال: "إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟ " قالوا: "بلى"، قال: "لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار". وانظر تاريخ ابن كثير (ب ٤، ص ٣٥٦ - ٣٥٧). فهذا التألف لقلوب المؤلفة قلوبهم لا يعطي المعنى الذي أراد أن يرمى إليه الكاتب، بل هو سياسة عليا، وخلق كريم.
أحمد محمَّد شاكر.
+ الأنصار: التسمية المألوفة التي أطلقت على أولئك القوم من أهل المدينة الذين نصروا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] للتفرقة بينهم وبين المهاجرين، وهم أتباعه من أهل مكة. ولما دخل العرب عامة في الإِسلام بطل استعمال الاسم القديم. الأوس والخزرج (وكان يطلق عليهم مجتمعين بنو قَيلَة)، وحل محله الاسم "الأنصار"، والمفرد الأنصاري (انظر القرآن، سورة التوبة، الآية ١٠٠ و ١٠١ و ١١٧.)، وبذلك أشيد بذكر الخدمات الأولى التي أداها أولئك القوم من أهل المدينة لقضية الإِسلام. ومن المحتمل أن يكون لقب "الأنصار" جمع "نصير" ولكن المفرد نصير لم يستعمل في الاصطلاح قط،