وللفعل نصر معنى بذل العون لشخص على عدوه الذي أساء إليه. وهذا كاف لتعليل السبب في إطلاق اسم الأنصار على مسلمي المدينة (قيل لهم أحيانا:"أنصار النبي"). ولكن اختيار هذا الاسم ربما يكون قد تم بتأثير التشابه بينه وبين النصارى، أي المسيحيين (انظر القرآن الكريم، سورة الصف، الآية ١٤:"يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله .. "؛ وانظر سورة آل عمران، آية ٥٢) (*).
وكانت أولى صِلات محمد [- صلى الله عليه وسلم -] الفعالة بمكة عندما حج سنة ٦٢٠ م هو وستة من الخزرج. على أن الإصلاح بين الأوس والخزرج كان من بين أهدافه، ومن ثم فإنه أصر فيما يظهر على أن تكون الأوس ممثلة في المفاوضات. وجاء في الأخبار المأثورة عن بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية أن ستة أو نحو ذلك ممن عاهدوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كانوا من الأوس. وقد قاست المدينة الكثير من جراء التقاتل بين هاتين القبيلتين مما يحملنا على القول بأن المبادرة إلى تقبل دعاوي النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كانت -من بعض الوجوه- راجعة بلا شك إلى رجاء خامر القوم بأن يستطيع أن يعيد السلام بينهما إلى نصابه ويحافظ عليه. ونحن نجد كثيرا من الغموض في التفصيلات، ولكن من الواضح أن معظم أهل المدينة، فيما خلا اليهود، قد دخلوا في البيعة معه، وأهم من خالفوا عشائر أربع هي: خطمة، ووائل، وواقف، وأمية بن زيد، وبعض من عشيرة خامسة هم عمرو بن عوف. وكان هؤلاء جميعًا على صلة وثيقة باليهود. ويجب أن نفرق بين هؤلاء المشركين وبين المنافقين؛ لأن المنافقين كانوا من أطراف البيعة مع النبي محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] ثم نقضوا عهودهم من بعد. وبالرغم من هذه النقائض فإن الأوس كان لهم شأنهم بين الأنصار، والحق إن إمام الأنصار حتى وفاته في السنة الخامسة للهجرة (٦٢٧ م) كان هو سعد بن معاذ سيد عشيرة عبد الأشهل الأوسية.
ويبين الجدول الآتي عدد الرجال من
(*) سبق أن رد الأستاذ الشيخ أحمد محمَّد شاكر على هذه المسألة في صدر هذه المادة.