بالنسبة لعبدة الأوثان. وعندما خضع أهل الكتاب للمسلمين جعل لهم محمَّد (١)[- صلى الله عليه وسلم -] حرية العبادة دون الوثنيين مقابل أدائهم الجزية (انظر سورة التوبة، الآية ٢٩). وإذا واظبوا على أداء الالتزامات الخاصة المفروضة عليهم ضمن لهم ذلك حماية الحكومة الإِسلامية، بوصفهم المعاهدين أو أهل الذمة.
ويعد التقصير في حماية أهل الكتاب إنّما كبيرا في الإِسلام. وبالطبع لا يمكن أن يتخذ ما فعله النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ببنى النضير وبني قريظة مثلًا يقاس عليه: على أنه رغم نزعة التعصب التي كان يُعَبَّر عنها بعبارات شديدة، كانت القاعدة المتبعة في معاملة الذميين هي التي وردت في الحديث المروى عن النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: "من آذى يهوديا أو نصرانيا كنت خصما له يوم القيامة"(البلاذرى، ص ١٦٢).
وكان أولو الأمر من المسلمين يطلبون إلى قواد جيوشهم الزاحفة للفتح وإلى عمال الولايات من قبلهم أن يسمحوا لأهل الكتاب الذين يخضعونهم بإقامة شعائرهم الدينية، وأن يعاملوهم بالرحمة. أما الشروط الخاصة فقد ظهرت أول صورة لها في وثيقة تعرف "بعهد عمر" الذي قيل إنه عقده مع نصارى بيت المقدس؛ على أنه من المؤكد أن هذه الوثيقة وضعت في عصر متأخر عن أيام عمر (انظر Memoire: De Goeje ٤ sur la conquete de la Syrie الطبعة الثانية ص ١٤٠ وما بعدها). وكانت هذه الوثيقة أساس التشريع الإسلامي المتعلق بأهل الديانات الأخرى.
وكانت أكبر المسائل المتعلقة بحرية إقامة الشعائر الدينية هي: إلى أي حد يجوز لأهل الكتاب أن يقيموا بيوتا للعبادة جديدة أو يحتفظوا بالقديم منها؟ وكانت هذه المسألة دائما سببا في تجديد المعاهدات. وقد ظهر الخلاف بين أصحاب المذاهب الفقهية في الحقوق الدينية لأهل الكتاب وإن كانوا على اتفاق من حيث المبدأ. وأكبر الخلاف بينهم كان في أمر ذبائح أهل الكتاب (هل يحل للمسلم أن يأكل مما يذبحونه؟ ) وفي مناكحتهم (هل يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة كتابية؟ ).