للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الزبير بن بكار عند حديثه عن المعارك بين الأوس والخزرج أنه لم تكن بينهم في هذه الأيام حروب بالمعنى الصحيح إلا في يوم بُعاث، أما في بقية الأيام فكانوا يخرجون فيترامون بالحجارة ويتضاربون بالخشب (الأغانى، جـ ٢، ص ١٦٢، س ١٢) وبين أن هذه الفقرة مأخوذة من وصف الزبير لحروب الأوس والخزرج الذي ورد في الفهرست (جـ ١، ص ١٠). ومع ذلك فقد زاد عدد ما ذكرته الروايات من تلك الحروب، لأن الكثير منها سمى بأسماء البقاع والآبار والجبال وما إليها من الأماكن التي وقعت هذه الحروب بالقرب منها، ونتج من ذلك أن الوقعة الواحدة كانت تنسب إلى أماكن مختلفة وتسمى بأسماء مختلفة.

وما وقع في أحد هذه الأيام يشبه إلى حد ما ما وقع في غيره حتى أن ما ذكره فلهاوزن عن حروب الأوس والخزرج ينطبق على أيام العرب بصفة عامة (Skizzen and Vorarbeiten: Wellhausen، جـ ٤، ص ٢٨ وما بعدها).

والذي يحدث أن عددا من الأفراد يشتبكون أول الأمر في عراك من أجل حد من الحدود أو دفعا لإهانة تلحق فردا في حمى سيد من سادات القوم، ثم يتسع الخلاف ويستفحل الأمر ويشمل القتال عشائر بأسرها أو قبائل بأكملها ويتشابك الجميع وتستمر الوقعة حتى تتدخل -عادة- أسرة من الأسر المحايدة حقنا للدماء، وسرعان ما يعود الأمن إلى نصابه. وتدفع القبيلة التي فقدت عدد أقل من الرجال الفدية عن العدد الزائد من قتلى القبيلة الأخرى.

وتمدنا أخبار هذه الأيام التي دونت في نثر جيد قديم إلى جانب الشعر الجاهلى بمعلومات قيمة عن أحوال العرب قبل الإسلام تمكننا بخاصة من فهم روح الفروسية التي سيطرت على المحاربين من العرب القدماء. وحفظ تداول الناس لهذه الأخبار ذكر هؤلاء الأبطال قرونا عدة. ومن ثم فإن كثيرا من الموضوعات المشابهة التي نجدها في أيام العرب تتردد في كثير من