"إياس الفخرى" مملوكا تركيا يكنى باسم سيده "من جُنَيْد" بيع إلى السلطان الظاهر برقوق وألحق بمماليكه، ووصل إلى رتبة "داوادار" ثان. وقد بلغ جده لأمه رتبة أكبر فى سلم الوظائف الرسمية: فقد كان "أزدمر الخازندار" أحد الأرقاء الذين
بيعوا في مصر. وشغل آخر الأمر أرفع المناصب فى القاهرة إبان حكم السلطان حسن والسلطان الأشرف شعبان، ثم ولى طرابلس وحلب ودمشق على التوالى. وكان والد ابن إياس فى القاهرة من "أولاد الناس" وهم نوع من "الرديف" عليهم القيام بالخدمة العسكرية عندما يأمر السلطان، ويعطون نظير ذلك قطائع من الأرض أو مبلغ ألف دينار أو راتبا سنويا (ألف درهم إبان حكم قايتباى)[انظر ابن إياس، طبعة بولاق، جـ ٢، ص ١٩٥ وفى مواضع مختلفة]. وكان أحمد بن إياس رجلا بارزا يتصل بكثير من الأمراء وأصحاب المناصب الرفيعة بالنسب أو بالمصاهرة. وأعقب أحمد بن إياس خمسة وعشرين ولدا، عاش منهم بعد وفاته ثلاثة ذكور وثلاث إناث، من بينهم مؤرخنا الذى نترجم له، وأخوه الذى كان رئيسا للمدفعية "زردكاش".
وأهم مؤلفات ابن إياس تاريخه الإخبارى المفصل عن مصر، وعنوانه "بدائع الزهور فى وقائع الدهور"، وهو الوحيد من كتبه الجدير بأن تبقى له قيمة على الأيام، لأنه يتناول باختصار تاريخ مصر القديم إلى نهاية عصر الأيوبيين، ولكن المؤلف لم يتحرّ -فى الغالب- التحقيق فيما كتبه عن عصر المماليك حتى عهد قايتباى، بيد أنه توخى الإسهاب فى روايته للحوادث التى تبدأ باعتلاء قايتباى عرش السلطنة المصرية، وذكر تراجم كبار رجال الدولة، ووضع ثبتا شهريا بالوفيات. وإذا تعمقنا فى دراسة هذا الكتاب واجهتنا مسألة: هى أن هذا الكتاب قد بقى فى نسختين على ما يظهر، المختصرة، وهى يوميات المؤلف كما هو واضح، لأن الحوادث التى وقعت عام ٩٢١ هـ - مثلا -كما يؤخذ من النص- دونت بأكملها فى أول المحرم عام ٩٢٢.