للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا الوقت فسدت العلاقات بين نور الدين وصلاح الدين لأن صلاح الدين أظهر الميل إلى الاستقلال عن سيده. وفي اللحظة التي بدا فيها النزاع بينهما أمر لا مفر منه نزل قضاء الله بنور الدين، وكان صلاح الدين قد هيأ لنفسه ملجأ يلجأ إليه، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، في بلاد النوبة وفي بلاد اليمن أيضًا، وكان قد استولى عليها باسمه أخوه "تورانشاه"، وبعد أن توفي نور الدين أصبح صلاح الدين لا يخيفه شيء، فاحتلت جيوشه الشام وبسط سلطانه على بلاد الجزيرة إلى أن وصل إلى نهر الفرات. ثم آن الأوان الذي وجه فيه قواه كلها لمحاربة الصليبيين، وفي وقعة حطين التي حدثت سنة ٥٨٣ هـ (١١٨٧ م) دُمرت جيوش مسيحيى بيت المقدس وسلمت المدينة نفسها بعد ذلك بأشهر قلائل، وكان سقوطها سببا في الحرب الصليبية الثالثة التي لم تغير كثيرا من وضع الأمور بين القوتين المتنازعتين. وتوفى صلاح الدين سنة ٥٨٩ هـ (١١٩٣ م)، وكان قبل وفاته قد قسم مملكته بين أبنائه وبين أخيه "العادل" فتولى العادل حكم بلاد الجزيرة، والأفضل دمشق، والعزيز مصر، والظاهر حلب، أما اليمن فقد بقيت في حوزة طغتكين أخي صلاح الدين الذي خلف أخاه تورانشاه في حكمها أثناء حياة صلاح الدين.

ولم يكد صلاح الدين يغمض عينيه حتى بدأ النزاع يدب بين أبنائه .. وانتهز العادل تلك الفرصة فخلع ابناء صلاح الدين واحدا بعد الآخر حتى استطاع أن يجعل الجانب الأكبر من مملكة أخيه تحت سلطانه. وهذا العادل حذو أخيه صلاح الدين فقسم مملكته أثناء حياته بين أبنائه، فتولى الكامل حكم مصر نائبا عن أبيه، والمعظم حكم دمشق، والفائز بلاد الجزيرة، ثم خلفه عليها الأوحد إلى سنة ٦٠٧ هـ (١٢١٠ م)، وتولى حكمها بعده الأشرف. وظلت حلب وحدها في يد أبناء صلاح الدين. ولما توفي الظاهر خلفه في حكم حلب ابنه العزيز سنة ٦١٣ هـ (١٢١٦ م). وكانت بعض الفروع البعيدة من الأسرة الأيوبية تحكم بلادا صغيرة ولكنها كانت جميعًا خاضعة لسلطان العادل.