(١١٧١ م) أن في مقدوره القضاء على الخلافة الفاطمية وإعلان عودة مصر إلى حظيرة الولايات التي تدين بالولاء للخليفة العباسى في بغداد. وأصبحت مصر لأول مرة منذ قرنين تدين رسميا بمذهب أهل السنة مرة أخرى، والحق إن غالبية السكان لم يكونوا قط من أنصار مذهب الإسماعيلية الذي فرضه الفاطميون، وعلى الرغم من أن العناصر الوثيقة الارتباط بالنظام الفاطمى قد حاولت استعادة مكانتها بالفتن، فإن قيام النظام الجديد قد قوبل من الجماهير بلا اكتراث، مثل ما فعلوا مع النظام السابق.
ورأى صلاح الدين أنه تقلد منصبه
من الخليفة الفاطمى ثم من الخليفة العباسى، وأنه كان في الوقت نفسه تابعا لنور الدين، وهنالك وجد نفسه في موقف محير حيال هذا الأمير، ولم يكن بد من أن يدب الخلاف بينهما لو لم تعاجل المنية نور الدين عام ٥٦٩ هـ (١١٧٤ م). ولم يلبث أن أدى ضعف خلفاء نور الدين وتنازعهم إلى التعجيل بانتقال السلطة العسكرية الغالبة في المناطق التي تجاور "الشرق اللاتينى" إلى مصر آنذاك بعد أن ظلت خمسين عاما ماثلة في شمالي الشام. وإذا كان خلفاء نور الدين قد تخلوا عن سياسة الجهاد التي أضفت على سلفهم ما كان يتمتع به من هيبة وقوة فإن صلاح الدين رأى أن يسير على هذه السياسة نفسها، وإن تعذر علينا أن نتبين إلى أي مدى اقترن الطموح عنده بالاقتناع الصادق الذي لا يعتريه الشك (H.A.R. Gibb The Achievement of Saladin في Bull of the John Rylands Li- brary، مجلد ٣٥ - ١، سنة ١٩٥٢، ص ٤٦ - ٦٠).
وأيا كان هذا الأمر فإن فكرة الجهاد أدت به إلى المطالبة بأن تكون له القيادة الموحدة لجيوش المسلمين، لكي يكسب إلى صفه الجانب الأكبر من الرأى العام، ولكى ينشئ في آخر الأمر دولة باسمه تضم البلاد المتوارثة عن نور الدين ومنها مصر والشام الإسلامية وجزء من أرض الجزيرة وتتسع رقعتها وتكون أكثر تماسكا من مملكة سلفه في الوقت القصير الذي وصلت فيه إلى ذروتها. وقد تحقق له ذلك عام ١١٨٣ م، وفي الوقت نفسه دانت اليمن