وأن بمدينة الإسكندرية، التى زارها ابن بطوطة، فى اول سفرة له، طريقا سمى باسمه. ثم إنه لما كان ابن بطوطة لواتيا أولا، طنجيا ثانيا، فإن موطنه الأصلى بلاد برقة، قرب الحدود المصرية الغربية، حيث كانت مساكن قبيلة لواته، إبان ظهورها بكتب التاريخ (Blochet: ٣ .d'Egypte, p.١٤٥ N Hist.).
ولقد أنجبت أسرة ابن بطوطة عدة قضاة، منهم الرحالة نفسه، وابن عم له، كان قاضيا بمدينة أندة، بين إشبيلية ومالقة، بالأندلس الإسلامية (ياقوت: معجم البلدان، طبعة ليبزج، جـ ٢ ص ٨٢٥). فابن بطوطة إذن وليد أسرة عريقة فى الاشتغال بالعلوم الشرعية، أى الدينية، وهو -على حد التعبير الأوروبى- من أبناء الطبقة الدينية العليا، فى المجتمع الإسلامى فى القرون الوسطي. ولذا فالراجح أنه درس العلوم الدينية، وتفقه فيها، ويضاف إلى هذا أنه تعلم الأدب، ومارس الشعر، ودرس اللغة الفارسية، وشواهد كل ذلك فى بطن كتابه.
وفى سن الحادية والعشرين سافر ابن بطوطة وحده من طنجة، ثانى رجب ٧٢٥ هـ (١٤ يونية ١٣٢٥ م) لأداء فريضة الحج، فاتخذ طريق الحاج المعتاد من بلاد المغرب ولحق بقافلة غرضها الحج مثله. ويظهر أن علمه وتدينه جذبا إليه قلوب أفراد القافلة، فعينوه قاضيا عليهم قبيل مسيرهم من تونس.
زار ابن بطوطة قاضى الإسكندرية عند وصولها، ونزل ضيفا على أحد علمائها، المسمى برهان الدين، ثلاثة أيام، من مدة إقامته هناك. ولقد توسم فيه برهان الدين حب التجوال، وأوصاه إذا ذهب إلى الهند، أو السند، أو الصين أن يزور أفرادًا سماهم له. ويظهر أن أطراف هذا الحديث المبروك حركت فى قلب الشاب ابن بطوطة عزما على زيارة جميع البلاد الإسلامية، وأن هذا العزم قوى فى نفسه، بعد تجاريبه أثناء هذا السفر إلى مكة، ذلك أنه زار فى طريقه إلى القاهرة أحد الأولياء الصالحين، وكان مقيما بقرية قبالة بلدة فوة على النيل، فرأى فى منامه -وهو عنده- أنه زار مكة واليمن والهند على جناحى طائر أخضر. وقد قص رحالة المستقبل رؤياه على الشيخ، ففسرها بأنه سيزور مكة واليمن والعراق وبلاد الترك والهند. ومما قوى عزم ابن بطوطة