الأمر بترحيله على البريد إلى دمشق ثم حمل على العودة إلى القاهرة بعد مرحلة، وسجن بحبس القضاة لأسباب سياسية سنة ونصف سنة علّم أثناءها أهل الحبس أمور الدين. وأخلى سبيله أياما قلائل ثم اعتقل في برج بالإسكندرية ثمانية أشهر، ثم عاد إلى القاهرة حيث حصل على وظيفة مدرس في مدرسة أسسها السلطان الناصر، مع أنه امتنع عن إفتاء هذا السلطان بما يجيز له الانتقام من أعدائه ..
وفي ذى القعدة سنة ٧١٢ هـ (فبراير ١٣١٣ م) خُوّل صحبة الجيش المقاصد إلى بلاد الشام، وبعد أن توجه في طريقه إلى بيت المقدس دخل دمشق ثانية بعد غيبته عنها سبع سنين وسبع جُمع واستأنف حينئذ التدريس إلا أنه منع في جمادى الآخرة ٨١٧ (أغسطس ١٣١٨) بكتاب السلطان من أن يفتى في مسألة الحلف بالطلاق (أن يحلف شخص بالطلاق من زوجته وأن يعلق ذلك بحدوث شيء أو عدم حدوثه) وهي مسألة أباح لنفسه فيها حلولا عدة لا يقبلها فقهاء المذاهب الثلاثة الأخرى (ابن الوردى: تأريخ، جـ ٢ ,ص ٢٦٧) الذين يقولون بأن الذي يوقع هذا الحلف معرض للعقاب مع إلزامه بالوفاء بعقده.
ولم يخضع ابن تيمية لهذا الأمر فحكم عليه بالسجن في قلعة دمشق، وذلك في رجب عام ٧٢٠ (أغسطس ١٣٢٠) وأفرج عنه بعد خمسة أشهر وثمانية عشر يوما بأمر السلطان، ولكنه عاد إلى سابق عهده، حتى ظفر له أعداؤه بفتواه في مسألة شد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين التي أصدرها عام ٧١٠ هـ (١٣١٠ م). وصدر في شعبان عام ٧٢٦ (يولية ١٣٢٦) مرسوم السلطان باعتقاله في قلعة دمشق، فأخليت له قاعة كان يخدمه فيها أخوه، وفيها أقبل على تفسير القرآن وكتابة الرسائل للرد على المخالفين، وصنف مجلدات عديدة في المسألة التي حبس بسببها, ولما اتصل بأعدائه خبر هذه المصنفات جرّد من كتبه وأوراقه ومداده، وكان هذا الحادث ضربة حاطمة نزلت به. ومع أنه كان يطلب السلوى في الصلاة وتلاوة القرآن إلا أنه مرض عشرين يوما،