أنه ما إن أصبح شاعر البلاط حتى غدا المديح هو القالب الغالب على شعره. وبهذا احترم البحترى القالب الثلاثى للقصيدة، وربما لم يشذ عن ذلك إلَّا في نهاية حياته، وراح يرسم صورة تقليدية لرعاته المختلفين. على أن مديحه تسمو به في توفيق أوصاف رائعة (وخاصة في وصفه الإيوان) وهنا يقف البحترى نسيج وحده لا يبارى بفضل تذوقه المرهف للخيال الشعرى والتفصيلات الطلية التي يسوقها. ولم يخص البحترى قصيدة كاملة بوصف قصر هو إيوان كسرى إلَّا متأخرًا (انظر عبد القادر المغربي في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، سنة ١٩٥٦, ص ٧٧ - ٨٨, ٢٤١ - ٢٥٢، ٤٢٧ - ٤٣٦, ٥٧٧ - ٥٨٥). والأفكار التي يبسطها البحترى في مجموعها خالية من الابتكار، إلَّا أن مزيته الفريدة هي أسلوبه الذي يتميز بمفرداته البسيطة وشعره الموسيقى الفخم، وقد وضعه هذا الأسلوب فوق شعراء البلاط الآخرين الذين كتب عليه أن ينافسهم أول الأمر.
وتفوق البحترى أيضًا في الرثاء، ولكنه قلما كان يوفق في الهجاء، ذلك أن الهجاء عنده كان لا يعدو أن يكون حصيلة للمدح, وهو في الأغلب الأعم موجه إلى راع سابق مرجولم يحقق آماله. وثمة واقعة جاءت في قصة من القصص هي أنه أوصى ابنه وهو على فراش الموت بأن يعدم جميع أهاجيه. وقصائد المناسبات قليلة في ديوانه. وكذلك فإن موضوعات الحب لانجدها إلَّا في مقدمات قصائده، وكانت هذه المقدمات لا تعدو أن تكون نزولا منه على سنة فاشية هي أن يتغنى بمحامد بعض المراهقين.
والنقاد الغربيون الذين كانوا إلى ذلك لايهتمون بالبحترى إلَّا اهتمامًا قليلا، يسلكونه في عداد الشعراء المحدثين من القدماء، وهذا الوضع يناسبه كل المناسبة. أما النقاد المشارقة فإنهم يجعلونه هو وأبا تمام والمتنبي من أهم شعراء العصر العباسى. والمقارنة بينه وبين أستاذه أبي تمام موضوع من موضوعات المناقشة المحببة بعد أن كان مثارًا للخلاف حتى