في حياة البحترى نفسه. ويرى البحترى ذاته أن جيده أقل من جيد أبي تمام ورديئه أحسن من رديئه. وقد تناول هذا الموضوع بالتفصيل في كتابين يجنح كل منهما إلى تفضيل واحد منهما على الآخر، وهما:"أخبار أبي تمام" للصولى (القاهرة سنة ١٣٥٦ هـ = ١٩٣٧ م) و"الموازنة بين أبي تمام والبحترى" للآمدى (القاهرة سنة ١٣٦٣ هـ = ١٩٤٤ م).
ويشارك البحترى معظم زملائه في أنه لا يكف عن السؤال ولا يتورع عن آية وسيلة يحصل بها على المال. وهذا الجشع إلى جنى المال أفسد معدنه الخلقى وأدى به إلى المصانعة ليساير بحقارة تذبذب السياسة الدينية للخليفة الذي كان راعيه.
وقد أكسبه نجاحه شاعرًا للبلاط عداوات مرة بين منافسيه، مع أنه كان فيما يظهر على صلات طيبة بالشاعر الشيعى دعبل. وطبيعى أن يؤدى به هذا النجاح إلى الاتصال بالشخصيات البارزة في الدولة من وزراء إلى قواد، إلى ولاة، إلى رجال بلاط وكتاب سر، وعلماء. وأتاحت له صلاته أيضًا أن يتابع كثيرًا من الوقائع السياسية التي نسمع صداها في الديوان، وهذا الأثر له قيمة وثيقية لا تنكر علاوة على قيمته الأدبية (انظر Les allusions: M. Canard ae la guerre byzantine chez les poetes Abu Taromam et Buhtun في Byzanceet les Arabes: Vassiliev جـ ١، بروكسل سنة ١٩٣٥, ص ٣٩٧ - ٤٠٣)، والحق إنه ذيل قصير لأخبار ذلك العهد، فهو يزيد عليها تفصيلات في كثير من الأحيان، أو يصف آثارا، أو يذكر وقائع أغفلها المؤرخون فيما يبدو.
وقد طبع الديوان في الآستانة سنة ١٨٨٢. ثم طبع في بيروت وفي القاهرة سنة ١٩١١، ولكن هذه الطبعات أميل إلى الخطأ والنقصان، ومن ثم فإننا نرحب كل الترحيب بظهور طبعة جديدة تعتمد على المخطوطات المختلفة وخاصة المخطوط المحفوظ في المكتبة الأهلية بباريس، وقد نشر شرح للديوان كتبه أبو العلاء المعرى بعنوان "عبث الوليد" في دمشق سنة ١٣٥٥ هـ (١٩٣٦ م).