ونرجح أنه قطع في هذه الرحلة ست سنوا هـ ألهمته كثيرًا من الصور، وحركت شاعريته، وصقلت لغته. وفي هذه الحقبة نظم قصيدته الدالية المشهورة في "الذئب"(القصيدة ٢٨٩، ص ٧٤٠) التي رجحنا أنه قالها حوالي عام ٢٢٦ هـ. وقد جعلت قوة سبك هذه القصيدة بعض الناس يشكون في أنها من شعره. فقد ذكر كشاجم ذلك في كتابه "المصايد والمطارد"(١٠٧ - ١٠٨) حيث يقول: " ... وقد شُكَّ فيها أنها له لقربها من ألفاظ الأوائل ومعانيهم". وجاء في الدلِوان في تقديم القصيدة أن أبا الغوث - ابن البحترى - قال لأبيه إن الناس يقولون هذه القصيدة، لأبي تمام. فقال "يابنى! قد ضرط أبوك أحسن من هذه القصيدة". كما نظم أيضًا قصيدته الرائية التي رثى فيها قومه (القصيدة ٤٠٨ صفحة ١٠٢٩). وقصيدته الدالية رقم ٢٤٧ صفحة ٥٩٠) التي يفخر فيها بأسرته ويذكر أسماء أجداده.
حتى إذا كانت سنة ٢٢٧ وجدنا البحترى قد تعرف إلى أبي جعفر القمى فمدحه، وأشار في مديحه له أنه ينوى أن يشد الرحال إلى رجل من قبيلته كان يرابط على الثغور غازيا ومدافعا هو القائد العربي الطائى الصامتى، من بنى الصامت بطن من طيئ: أبو سعيد محمد بن يوسف ابن عبد الرحمن، من أهل مرو, وكان يعرف باسم "الثغرى" نسبة إلى ملازمته للثغور، وكان من قواد حميد الطوسى في حربه مع بابك الخُرَّمى، ثم صار بعد مصرع حميد من قادة الجيوش عند المعتصم، وكانت أول هزيمة لأصحاب بابك على يده سنة ٢٢٠ هـ، فقد قال البحترى لأبي جعفر القمى وهو يمدحه (القصيدة ٦٧٤ في البيت ٤١ منها صفحة ١٧٥٠ طبعة دار المعارف بتحقيقنا):
إني أريد أبا سعيد والعدى ... بينى وبين سحابهِ المتهللِ
مُضَر الجزيرة كلها، وربيعة الـ ... ـخابور توعدنى، وأزْدُ الموصلِ
والتقى الشاعر الطائى الثاني بهذا القائد الطائى الذي مدحه من قبله الشاعر الطائى الأول أبو تمام، وكان هذا اللقاء سنة ٢٢٧ هـ في السنة التي مات فيها الخليفة العباسى المعتصم بن