وهل أرتجى أن يطلب الدم واتر ... يد الدهر، والموتور بالدم واتره! ؟
أكان ولى العهد أضمر غدرة؟ ... فمن عجب أن ولى العهد غادره!
وصرح قبل ذلك بأمله في أن يكون المعتز خليفة أبيه المتوكل فغاب من كانوا يعملون على ذلك فقال:
ولا نصر "المعتز" من كان يرتجى ... له، وعزيز القوم من عز ناصره
وقد قلنا في شرح هذا البيت إن الذي نرجحه أنه لم يقصد بقوله "المعتز" صفة كما يرى بعض الشراح، وإنما قصد المعتز بن المتوكل، أي أن حزب المعتز لم يجد من يناصره امام المتآمرين لمصلحة أخيه المنتصر، فقد قضت المؤامرة على الفتح، وانتهز المتآمرون فرصة غياب الأمير طاهر ابن عبد الله بن طاهر في خراسان وكان يميل إلى المعتز.
وتنبه البحترى بعد أن افاق من الهول إلى ما قال وخشى مغبة تصريحه وتعريضه فخرج حاجا إلى مكة، ولم يخرج إلى بلده "منبج" كما ذكر الأستاذ مركوليوث معتمدا فيما يبدو على ما ذكره ابن خلكان، فهو في القصيدة التي مدح بها المنتصر بعد ذلك حين تشفع له عنده - وهي القصيدة الوحيدة التي قالها فيه لأن المنتصر مات بعد ستة أشهر من مصرع أبيه - يذكر حَجَّه (القصيدة رقم ٣٤٠، صفحة ٨٤٨).
حججنا البنية شكرا لما ... حبانا به الله في المنتصر
والبنية: الكعبة. وقد أشار المعرى في لزومياته (١: ٤٢٤) إلى حج البحترى في هذه الفترة فرارًا من بطش الخليفة الجديد لا أداء لفرض يدعو إليه، فقال أبو العلاء ساخرًا من رجل قام بالحج لوجه غير وجه الله:
حج من غير تقى صاحبنا ... كأخى بحتر عام المنتصر
ولكنه وجد في دعوة المنتصر إلى سلوك سياسة جديدة مع آل أبي طالب ما دفعه إلى أن يسجله حسنة للخليفة