للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بشر، ولقبه بديع الزمان، وهو شاعر وكاتب رشيق العبارة، قرأ في بلده همذان على أحمد بن فارس وغيره من النحاة.

وفي سنة ٣٨٠ للهجرة ذهب إلى الري، حيث نال الحظوة لدى الصاحب ابن عباد فترة من الزمان، ثم خرج منها إلى جرجان حيث عاش في رعاية أبي سعيد محمد بن منصور.

وفي سنة ٣٨٢ للهجرة ذهب إلى نيسابور ودخلها فقيرا مجردا إذ خرج عليه اللصوص في الطريق وسلبوا ما كان معه. ولقيه أبو بكر الخوارزمى شيخ الأدباء في عصره على غير ما كان يحب، وما لبث أن دعى ليناظره في فروع الأدب في جمع من الناس. وقد ذكر لنا في وصفه لهذه الحادثة أنه انتصر على أبي بكر (ترجم هذا الوصف فون كريمر V. Kremer في - Kul turgesch، جـ ٢، ص ٤٧١ وما بعدها) وإن كان هذا يبدو محلا للشك. وأذاعت هذه الحادثة صيته، ولما توفى الخوارزمى بعد ذلك بسنوات خلفه بديع الزمان في مكانته. ووجد حماة له في خراسان وسجستان وغزنة، ثم استقر به الأمر في هراة، وهناك تزوج من ابنة الحسين بن محمد الخشنامى.

ويظهر أن مقامات البديع، وهي إحدى مصنفاته، قد أهداها إلى خلف بن أحمد أمير سجستان الذي نجد وصف رعايته للبديع في الرسالة رقم ١٧٣. وكانت كلمة "مقامة" قبل بديع الزمان معناها "العظة" (انظر: مروج الذهب، ص ٤٣١) أو الخطبة (انظر: الجاحظ: كتاب البلغاء ص ٢١٨, س ١٣). فلما أطلقها بديع الزمان على ما أنشأ أصبح لها ما يشبه معنى الكلمة اليونانية "ميمه" ومعناها "الحوار الممتع". ويزعم الهمذانى أنه أنشأ أربعمائة مقامة ليست واحدة منها كالأخرى. وهذا الزهو لا يبرره ما بقى لنا من مجموعة مقاماته التي تشتمل على إحدى وخمسين مقامة، بعضها يشبه البعض الآخر.

وموضوع هذه المقامات في العادة هو "الكدية" أي إعمال الحيلة لكسب المال، وفيها يظهر البطل شيئًا من العلم والفصاحة والبداهة. ويحسن أن نقول إن بعض المقامات تصف الحياة في