التي ألقى فيها يحيى في السجن ليلاقى حتفه كما أخبرنا، أن وجد الهادي ميتا، وثمة أقوال تذهب إلى أن الخيزران أم الخليفة التي كانت تؤيد هارون كانت لها صلة بموته.
ومهما يكن من شيء فإن هارون الرشيد قد بادر بمجرد بيعته إلى استدعاء يحيى وعهد إليه تدبير الأمور وفوضه تفويضا عاما في ممارسة السلطة. وتلقى هذا الكاتب المقتدر لقب الوزير، وأشرك من أول الأمر ابنيه الفضل وجعفرا في مباشرة الواجبات الإدارية والحكومية. وكثيرا ما كانا يتوليان الرئاسة معه، وكانا يلقبان أيضًا بلقب الوزارة فيما يظهر. وظل يحيى في منصبه سبعة عشر عاما، من سنة ١٧٠ هـ (٧٨٦ م) إلى سنة ١٨٧ هـ (٨٠٣ م)، وقد أشار بعض الكتاب إلى هذه الفترة بعبارة "سلطان آل برمك". واشتغل يحيى برد المظالم باسم الخليفة. كما كانت له سلطة اختيار كتابه الذين باشروا العمل وكلاء عنه، وكان يحيى من حيث العمل رأس الإدارة. بل إن وظيفة الخاتم التي أمسكت عنه في أول الأمر، سرعان ما وضعت تحت إشرافه. وكذلك تقول الروايات بأن الرشيد قد أسلمه خاتمه الخاص، دليلًا على السلطة الجديدة التي كان يباشرها الوزير. وهذا الخاتم الذي عهد به إلى جعفر قد عاد إلى يحيى من بعد، ولكنه نزل عنه عندما رحل للإقامة بمكة، ثم رد إلى جعفر بعد أن كان قد استرده يحيى بعد عودته من مكة.
ولم يقنع ابنا يحيى -الفضل وجعفر- بمجرد مؤازرة أبيهما في تولى السلطة وإنما باشرا أيضًا مسئوليات هامة. فقد كان للفضل، وهو أكبرهما فضلا عن كونه أخا هارون في الرضاع، شأن خطير في السنوات الأولى. ذلك أنه أقيم سنة ١٧٦ هـ (٧٩٢ م) , أو ربما قبل ذلك، على رأس الولايات الغربية لإيران، وأنفذه الخليفة لقتال يحيى بن عبد الله العلوى الذي كان قد افتتن. واستطاع أن يحمل يحيى هذا على الخضوع بالمفاوضة. وفي العام التالي أقيم الفضل واليا على خراسان فقام فيها بدور الموّفق والبناء، فقد هدّا من ثائرة إقليم كابل وجنّد هناك جيشا محليا أرسل بعضه، كما قيل، إلى بغداد. فلما عاد الفضل إلى