للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلاط ترك نائبا عنه يلي أمر ولايته التي ظل محتفظا بها حتى عام ١٨٠ هـ (٧٩٦ م). والظاهر أنه كان سنة ١٨١ هـ (٧٩٧ م) يلي أمر الحكم في غيبة أبيه. على أنه كان أول متفقد حظوة الخليفة، فقد أغضبه غضبا شديدًا فجرده هارون من جميع مناصبه إلا قيامه بتأديب الأمير محمَّد الأمين، وكان الرشيد قد أخذ البيعة على العهد إليه بالخلافة من بعده سنة ١٧٨ هـ (٧٩٤ م).

أما جعفر-الذي أغرم الكتّاب بتأكيد فصاحته وتضلعه في الفقه- فقد وكلت إليه سنة ١٧٦ هـ (٧٩٢ م) ولاية الأقاليم الغربية مع أنه ظل مقيما بالبلاط، ولم يتركه إلا سنة ١٨٠ هـ (٧٩٦ م) لإخماد الفتن التي نشبت في الشام، ثم أقيم بعد ذلك واليا على خراسان إلى حين، وعهد إليه حرس الخليفة كما عهد إليه منصب صاحب البريد وصاحب السكة والطراز (والحق إن اسمه يظهر على السكك التي ضربت في الشرق منذ سنة ١٧٦ هـ = ٧٩٢ م، ثم على السكك التي ضربت في الغرب بعد ذلك). وكان إلى ذلك مؤدبا للأمير عبد الله المأمون الذي عهد إليه بالخلافة بعد الأمين سنة ١٨٢ هـ (٧٩٨ م). وكان فوق ذلك كله صفيّ الخليفة، إن لم يكن ساقيه كما يزعم كثيرا.

أما وقد كان تأديب وليى العهد اللذين رتب لهما أن يقتسما بالفعل الإمبراطورية الإِسلامية موكلا إلى ابني يحيى، فإن السلطة كانت خليقة أن تبقى في يد آل برمك أمدا طويلا، لو أن الرشيد سمح بذلك. على أن الخليفة عندما عاد من الحج الذي أداه مع حاشيته سنة ١٨٦ هـ (٨٠٢ م) قرر فجأة أن يتخلص من سيطرتهم. ففي ليلة السبت غرة صفر سنة ١٨٧ (٢٨ - ٢٩ يناير سنة ٨٠٣) أمر بجعفر فقتل، وقبض على الفضل وإخوته، ووضع يحيى تحت المراقبة واستصفيت أملاك جميع البرامكة فيما عدا محمَّد بن خالد. وترك جثمان الفضل معروضا للناس في بغداد سنة. أما الفضل ويحيى نفسه -الذي كان قد أبدى الرغبة في أن يشارك ولديه مصيرهما- فقد حملا إلى الرقة سجينين. وهناك توفي يحيى في المحرم سنة ١٩٠