للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفضل بن الربيع، وكان قد بدأ منذ وقت طويل يهتم به، ثم أقامه زيادة على ذلك حاجبا سنة ١٧٩ هـ (٧٩٥ م) مكان محمَّد بن خالد البرمكى. وكان لهذا الوجيه الجديد نفوذ متزايد في البلاد، وقد أدرك بعين بصيرته أوجه قصور خصومه وأثار حنق الرشيد عليهم.

وكذلك لم تكن صلات الخليفة بأبناء يحيى على وئام في جميع الأحوال، ذلك أن الخليفة لم يكن يحبذ السياسة المنحازة إلى العلويين التي كان يسير عليها الفضل الذي لم يكن فيما يبدو قد رزق المرونة المأثورة عن أبيه. وأقصى الفضل عن السلطة سنة ١٨٣ هـ (٧٩٩ م) قبل أن تحل النكبة بالبرامكة فتدول دولتهم بأربع سنوات. وحتى جعفر -الذي كان ينعم فيما يظهر بثقة الخليفة التامة وبقى سلطانه عليه مدة أطول من سائر البرامكة- لم يأمن شكوك مولاه الجموح وقد عنّف مرة على إساءة استخدام سلطته.

وكان من المألوف جدًّا بطبيعة الحال أن يتعدل موقف الرشيد من البرامكة أثناء السبعة عشر عاما من سيادتهم، فقد قنع الخليفة عند ولايته الخلافة في سن الثالثة عشرة بأن يسير على نصيحة والدته ويعفى نفسه من بعض المسؤوليات بإيكالها ليحيى. على أن هذا الموقف الذليل بدأ يثقل عليه، واشتد ذلك عليه منذ زادت رغبته في فرض إرادته بمرور السنين، على حين راح البرامكة يملئون معظم مناصب الدولة الجليلة بأقاربهم ومواليهم ويعدون العدة لإقامة ما يشبه الوزارة الوراثية، فأصبحوا بذلك دولة داخل الدولة، وهم قد جمعوا في الوقت نفسه ثروة ضخمة أثارت طمع مولاهم وأصبح كرمهم الذي صار مضرب المثل يستلفت الأنظار باستمرار. وإذا كانت الأسباب المختلفة كافية لتبرير سقوطهم، فإن وحشية المعاملة التي حلت بجعفر كانت بلا شك جزاء للحب الذي أفاءه عليه الخليفة والذي كان من شأنه أن يؤجل الخاتمة المحتومة التي نزلت به. على أن التهم التي رمت البرامكة أيام سطوتهم بالزندقة في بعض الأحيان، ليس لها فيما يبدو نصيب في النكبة التي حلت بهم، بل إن هذه التهم لم يكن لها فيما يظهر أي أساس من الحقيقة. صحيح